يغطي السجال القائم حول مشاركة المغتربين في ​الانتخابات النيابية​ الحديث عن خطر آخر يداهم مشاركة المقيمين في هذا الاستحقاق، يتمثّل في إرتفاع كلفة النقل، الأمر الذي سيحول دون اقتراع الكثيرين أو على الأقل يحدّ من حريتهم في هذا المجال.

النقطة الأساس على هذا الصعيد، تكمن بقدرة أبناء مناطق الأطراف، الذين يسكن معظمهم في محافظتي بيروت وجبل لبنان، على تحمل تكاليف الانتقال إلى بلداتهم للاقتراع، نظراً إلى أن هذه الرحلة تحتاج، في بعض الأحيان، إلى صفيحتي بنزين، أي إلى ما يقارب 420 ألف ليرة.

تأمين عملية النقل هو تاريخياً من أبرز الوسائل التي تستخدمها الأحزاب السياسية في لبنان للضغط على الناخبين، حيث كانت تعمد إلى توزيع "البونات" على المقترعين لصالح لوائحها، الأمر الذي يحول دون تكافؤ الفرص بين المرشّحين، بسبب عدم قدرة البعض منهم على توفير هذه "الخدمة" التي تحتاج إلى أموال طائلة.

بالإضافة إلى ذلك، هو من الوسائل التي تستخدمها لمنع تسرب الكثير من الأصوات إلى اللوائح المعارضة، خصوصاً بالنسبة إلى الدوائر التي تُصنف على أساس أنها مغلقة بوجه هذه القوى، وبالتالي هذه الورقة ستكون من أبرز أوراقها الرابحة في الانتخابات المقبلة، في ظل النقمة التي تعاني منها على المستوى الشعبي.

هذا الواقع يعيد إلى الأذهان السجال الّذي كان طاغياً في العام 2018 حول "الميغاسنتر"، أي اقامة مراكز لاقتراع المواطنين في غير أماكن سكنهم، ما يعني عدم اضطرارهم إلى قطع مسافات طويلة للإدلاء بأصواتهم، حيث يمكنهم أن يقصدوا تلك المراكز التي تقام عادة في المدن الكبرى.

في الانتخابات النيابية الماضية، كان من الممكن أن يؤدّي الخلاف حول "الميغاسنتر"، الذي يعد من البنود الأصلاحية الضرورية، إلى "تطيير" الاستحقاق، الأمر الذي قاد إلى تأجيل البت به، لكن اليوم يبدو أنه بات حاجة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، ولا يحتاج إقرارها إلى الكثير من الأموال، نظراً إلى أنها باتت حاجة اقتصادية أيضاً.

على الرغم من ذلك، تطرح هذه المصادر الكثير من علامات الاستفهام حول امكانية أن توافق الأحزاب السياسية الكبيرة، التي كانت ترفض بشكل مطلق هذه الخطوة بحجج واهية، على الذهاب إلى هذه الخطوة، في حين هي تدرك جيداً أن الاستحقاق في العام المقبل مصيري بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبالتالي هي لن تفضل أن تقدم ورقة من الممكن أن تستخدم ضدها.

من جانبه، يشير المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية من أجل ​ديمقراطية الانتخابات​ علي سليم، في حديث لـ"النشرة"، إلى وجود مشكلة تكمن في ربط "الميغاسنتر" ب​البطاقة الممغنطة​، لتفادي التصويت أكثر من مرة (أي في مكان الإقامة ومكان القيد)، نظراً إلى أن اقرار الأخيرة يحتاج إلى الكثير من الوقت والكلفة على الخزينة العامة، بينما اعتماد "الميغاسنتر" من الممكن أن يحصل عبر آليات لا تحتاج إلى أموال كثيرة، عبر اعتماد آلية التسجيل المسبق، كما هو الحال بالنسبة إلى إقتراع المغتربين، ما يحول دون امكانية التصويت أكثر من مرة.

ويعتبر سليم أن هذا الحل يساهم في تعزيز المشاركة السياسية ويرفع من نسبة الاقتراع، خصوصاً أن المواطنين يتجنبون اليوم التنقل إلى أماكن بعيدة بسبب كلفة النقل، بينما في حال كان بإمكانهم التصويت في أماكن سكنهم سيتشجعون أكثر على الانتخاب، مع العلم أن عدم توفرها سيساعد الأحزاب التقليدية الكبيرة على توسيع شبكة الزبائنية، لتوزيع ​البنزين​ على من يضمنون أنهم سيصوتون لهم، ويضيف: "في انتخابات تعتبر مصيرية بالنسبة إلى مستقبل ​البلاد​ من المفترض العمل على إزالة العوائق من أمام الناخبين لا زيادتها".

في المحصلة، هو تحدٍّ اضافي تفرضه الأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد على حرية الناخبين في الاقتراع، الأمر الذي يتطلب البحث في كيفية معالجته قبل الوصول إلى موعد الاستحقاق والتحجج بالوقت الداهم، فهل توافق القوى السياسية الموجودة في ​السلطة​ على الذهاب إلى الخيارات البديلة التي تعزز من فرص المشاركة الفاعلة؟.