أمّا وقد تشكّلت الحُكومة وأعيد نبش كلّ الملفّات التي كانت موضوعة عمليًا في الثلاجة، ما هي التوقّعات بالنسبة إلى المرحلة المُقبلة؟.

ليس بسرّ أنّ الحكومة برئاسة ​نجيب ميقاتي​ تُواجه مجموعة واسعة من الملفّات الحسّاسة والشائكة دُفعة واحدة، يُمكن تلخيص أبرزها على الشكل التالي:

أوّلاً: ملف المُفاوضات مع صُندوق النقد الدَولي، وهو ملفّ محلّ جذب بين رئاسة الجُمهوريّة ورئاسة الحكومة، علمًا أنّ طريق التفاوض مع مُمثّلي المُجتمع الدَولي طويل وشائك، وسيأخذ وقتًا. والأهمّ أنّ لا مُساعدات قبل تحقيق سلسلة من الشروط، أحدها توزيع الخسائر الماليّة، وهنا المُشكلة الكبرى حيث لا أحد يريد حمل كرة النار هذه، في ظلّ تقاذف للمسؤوليّات، الأمر الذي يُعرّض مصير كلّ من الودائع في ​المصارف​، وحُقوق الدائنين، وهيكليّة المصارف، وأملاك الدولة، إلخ. لخطر شديد، تبعًا لنسب الخسائر التي سيجري تحميل كل طرف لها.

ثانيًا: ملف الإصلاحات البنيوية لهيكليّة إدارات الدولة وكامل ​القطاع العام​، بهدف وقف الهدر وترشيد الإنفاق وضبط المُوازنة. وهذا الشرط الأساسي لفتح باب مُساعدات المُجتمع الدَولي غير مُمكن التنفيذ في الأشهر المُقبلة بسبب قرب تنظيم الإنتخابات النيابيّة، مع ما يعنيه هذا الأمر من حرص مُختلف القوى السياسيّة على عدم إغضاب الجماعات التي أدخلتها إلى المؤسّسات الرسميّة على مدى عُقود. والأمر نفسه ينطبق على مطالب زيادة الضرائب ورفع رسوم الخدمات وربما زيادة نسبة الضريبة على القيمة المُضافة، إلخ. حيث أنّ هذه القرارات غير الشعبيّة لا يُمكن تمريرها عشيّة الإنتخابات، ولا في ظلّ الواقع المأساوي الذي يعيشه اللبنانيّون، ما يعني عمليًا تأجيل كل هذه القرارات إلى مرحلة لاحقة حتى لو جرى التوافق على أسسها مع ​صندوق النقد​ الدَولي.

ثالثًا: ملف مؤسّسة ​كهرباء لبنان​ الذي كبّد خزينة الدولة، ومن خلفها جيوب اللبنانيّين، خسائر فادحة جدًا، هو أحد أهم الملفّات التي تتطلّب المُعالجة بسرعة. لكن ما يحصل حاليًا هو مُجرّد مُحاولات لما يُمكن وصفه بإسم "ترقيعات" ظرفيّة، لكسب المزيد من الوقت بأقلّ ضرر مُمكن. ولا يختلف ملفّ الكهرباء عن ملف المحروقات الذي يُواجه خطر تجدّد الأزمة ومعها طوابير الذلّ، حيث أنّ الحلول الظرفيّة تتراوح بين فتح المزيد من الإعتمادات من قبل ​مصرف لبنان​، أي عمليًا الإستمرار في صرف موجودات ​المصرف المركزي​ ممّا تبقّى من ​أموال المودعين​، وقيام الشركات المُستوردة للبنزين والمازوت والغاز بالإستحصال على دولارات الإستيراد من السوق اللبناني، ما يعني إرتفاع سعر الصرف بشكل كبير، والتسبّب بمزيد من المُعاناة الإقتصاديّة والماليّة للبنانيّين.

رابعًا: ملف التفاوض غير المُباشر مع إسرائيل بشأن ترسيم الحُدود، والذي يُعتبر مُهمّا جدًا إذا ما أراد لبنان فتح طاقة في نهاية النفق الأسود، على صعيد تأمين مكاسب ماليّة مُهمّة، ولوّ بعد عقد من اليوم. لكن بحسب المَعلومات المُتوفّرة يُوجد توافق أميركي-إسرائيلي ضُمني، بأن لا عودة إلى التفاوض مع شروط مُسبقة من جانب لبنان. وحتى في حال عقد جلسة أو بضع جلسات لإظهار النيّة بمُتابعة الملفّ، فإنّ الجانب الإسرائيلي سيرفض كليًا التفاوض إنطلاقًا من الخط رقم 29، الأمر الذي سينقل المُواجهة إلى الداخل اللبناني حيث الخلافات هي الطاغية بشأن سُبل إدارة هذا الملف السيادي-الإقتصادي البالغ الأهميّة.

خامسًا: ملف إنفجار المرفأ الذي يُتابعه المُجتمع الدَولي عن كثب، والذي يوظّفه أكثر من طرف داخلي وخارجي في معارك سياسيّة وتصفيات حسابات. وهنا من الواضح أنّ المعركة القانونيّة ستبقى مفتوحة مع المُحقّق العدلي لعرقلة تحقيقاته، وُصولاً إلى وضع هذا الملفّ في الثلاجة في نهاية المطاف، إمّا عبر إرغام القاضي ​طارق البيطار​ على التنحّي، أو عبر إستمرار عدم حُضور المُتهمين، إلى ما هناك من أساليب عرقلة وتسويف ووضع العُصي بالدواليب، للتعمية على حقيقة ما حصل في الرابع من آب، ولتضييع المسؤوليّات ولحماية المُتورّطين.

سادسًا: ملف الإنتخابات النيابيّة الذي هو محلّ مُتابعة لصيقة من قبل المُجتمع الدَولي، سيتقدّم إلى الواجهة تدريجًا خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وهو يحمل في طيّاته مخاوف من التورّط في تصعيد سياسي-إعلامي داخلي كبير، لضرورات التجييش والحشد الإنتخابيّين، هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ التعديلات المَطلوبة على القانون النافذ تمّت بسلاسة، علمًا أنّ المُؤشّرات تدلّ على معارك ساخنة سترافق هذه التعديلات، لا سيّما بالنسبة إلى البنود المُرتبطة بتصويت المُغتربين.

في الختام، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ المُعضلة الأبرز والأخطر التي تُواجه الحُكومة تتمثّل في عدم قُدرة شرائح واسعة من اللبنانيّين على الصُمود حياتيًا ومعيشيًا لفترة أطول، في ظلّ الغلاء الفاحش والمُستشري على مُختلف الصُعد، علمًا أنّ طريق الألف ميل للحُلول لن تكون مُعبّدة قبل تنظيم الإنتخابات النيابيّة المُقبلة، حيث يُوجد قرار دَولي غير مُعلن بأنّ مدّ يد المُساعدة الفعليّة والجديّة للبنان في ظلّ هذه التركيبة الحاكمة لن يحصل، وبأنّ على الشعب اللبناني إختيار التغيير في الإنتخابات المُرتقبة في آذار 2022، ليحصل على المُساعدات، وليبدأ واقعه المُزري بالتغيّر تدريجًا، وإلا ستبقى الأمور تراوح مكانها، وسيبقى السُقوط مُستمرًّا!.