هل وضع ​لبنان​ على سكة التعافي من أزماته المالية والاقتصادية، أم أن الطريق إلى ذلك ما تزال وعرة وتحتاج إلى الكثير من التعبيد وإزاحة العراقيل؟ الملاحظ أنه ومنذ الساعات الأولى لتأليف الحكومة ومن ثم نيلها ثقة مجلس النواب، بدأت المناخات الدولية تجاه الحكومة تتبدد، ففي الوقت الذي كانت فيه حكومة الرئيس ​حسان دياب​ معزولة عن محيطها العربي، وفقدانها أي دعم دولي، فإن حكومة الرئيس ​نجيب ميقاتي​ حظيت بتوجه عربي داعم، واستعداد دولي للمساعدة وإن بشرط الولوج بإنجاز رزمة الإصلاحات التي وضتعها الدول المانحة للحكومة كخارطة طريق للوصول إلى مسألة الدعم، وهذا الأمر بحد ذاته شكل للحكومة الجديدة قوة دفع، ومدّها بالكثير من المعنويات بشكل يجعلها تُقدم على اتخاذ بعض الإجراءات بخطى ثابتة، بهدف استعادة ثقة الخارج بلبنان وحمله على وضعه مجددداً على أجندة أولوياته.

وما يُعزّز الاعتقاد بأن سلوكيات ​المجتمع الدولي​ تجاه لبنان بدأت تتغير لجهة الإمساك بيده ومساعدته لتجاوز محنته الاقتصادية والمالية ما كشفت عنه المتحدثة باسم ​صندوق النقد الدولي​ أمس انه يتوقع ان يبدأ الصندوق محادثات تقنية مع لبنان في الايام المقبلة. وأن هذه المباحثات ستدور حول سياسات وإصلاحات من شأنها معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان.

ويبدو ومن خلال تسريع وتيرة التشاور والاتصال بين الحكومة وفريق الصندوق أن هناك رغبة جامحة من قبل الطرفين بالعمل على تحقيق خروقات واسعة في جدار الأزمة المالية قبل نهاية هذا العام، وهذا يتعلق وفق مصادر عليمة بمدى تعاون لبنان واستعداده على القيام بالخطوات الاساسية والضرورية لطمأنة صندوق النقد في الدرجة الأولى وثانياً المجتمع الدولي ووضع لبنان مجدداً في خانة الدول التي تقوم بما يتوجّب عليها تجاه أي برنامج للمساعدة.

توجه لدى الحكومة بزيادة ​بدل النقل​ إلى 50 ألفاً وحوافز مساعدات لا تدخل الآن في صلب الرواتب

وفي هذا السياق تؤكد مصادر متابعة لمسار الحراك الحاصل باتجاه إعادة تفعيل العملية التفاوضية بين ​الحكومة اللبنانية​ وصندوق النقد أن فرصة إنقاذ لبنان ما زالت متاحة على الرغم من عمق الحفرة التي وصل إليها على المستويين الاقتصادي والدولي وما يتشعب عن ذلك من أزمات معيشية واجتماعية، وهذا يتطلب القيام بخطوات سريعة ومسؤولة بعيداً عن أي نوع من أنواع الضغوط السياسية، آملة أن نبدأ بتلمّس معالجات حقيقية للأزمات الموجودة في غضون أسابيع قليلة مقبلة، في حال تركت القوى السياسية الحكومة تعمل بعيداً عن الاشتباكات السياسية التي عادة ما تندلع على هذه الجبهة أو تلك والتي من الممكن ان تشتد مع اقتراب موعد ​الانتخابات النيابية​ في الربيع المقبل، وتلفت المصادر النظر الى ان الحكومة قررت ملاقاة صندوق النقد بعقد اجتماعات متتالية ومكثفة لوضع آليات محددة ومنتجة لمقاربة الملفات الساخنة التي تطال لقمة عيش المواطنين، وأن الاجتماع الذي عقد في السراي بالأمس بين الرئيس نجيب ميقاتي واللجنة الوزارية خصص بشكل أساسي للبحث في السبل الآيلة للتخفيف عن كاهل المواطنين لا سيما الموظفين، حيث طرحت أفكار عديدة لتحسين ظروف العاملين في ​القطاع العام​ في ظل تدهور القيمة الشرائية لرواتبهم، وهناك توجه في الوقت الراهن لزيادة بدل النقل إلى ما يقارب الخمسين ألف ليرة في اليوم، وأن يكون هناك رزمة حوافز إضافية لن تدخل في صلب المعاشات في الوقت الراهن، كما كان هناك تأكيد على ضرورة انطلاق ​العام الدراسي​ في الجامعات والمدارس بشكل طبيعي، كون أن أي توقف عن الدراسة لن يكون في صالح لبنان وهو يعني ضرب جيل بكامله.

ووفق هذه المصادر دار خلال اجتماع اللجنة نقاش تنسيقي حول سبل الدعم الدولي، وكان هناك رفض من قبل بعض الوزراء أن يكون هناك إملاءات من أي جهة داعمة، بمعنى أن يطلب من الحكومة تنفيذ بعض المطالب وربط ذلك بالمساعدات، مشيراً الى ضرورة أن يكون هناك خيارات بشأن المساعدات وعدم حصر ذلك بصندوق النقد الدولي أو بأي جهة دولية، لا سيما وأن هناك بعض الدول بعثت برسائل إلى لبنان تبدي رغبتها في المساعدة من دون أن يكون لها أي مطالب توظف في الخانة السياسية وتمس بالسيادة والقرار اللبناني.

وتلفت هذه المصادر النظر إلى وجود جدية لدى الحكومة بالتعاون مع أي جهة تريد مساعدة لبنان إنما على أسس لا تمس الثوابت الوطنية، وأن هذا الموقف سيبلغ إلى كل الوفود الدولية التي تنوي زيارة لبنان والتي من الممكن أن تتكشف مع قابل الأيام، وإنما مرد ذلك وجود ما يحضر في المطابخ الدولية من تسوية شاملة تطال أكثر من دولة ومن بينها لبنان، مشددة على ان الحكومة لا تملك عصا سحرية لمعالجة جبل الازمات الموجود أمامها لكنها ستعمل في ما تيسر لها من قوة من أجل معالجة العديد من الملفات الموجودة، وأن باكورة عملها سيكون إعادة فتح نوافذ التواصل والتفاوض مع صندوق النقد للحصول على مساعدات فورية، تنطلق الحكومة من خلالها لمعالجة ملف الكهرباء والمحروقات.