تعرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لحملة استهدفته شخصياً وبشكل عام، مستغربة كيفيّة حضوره شخصياً قمة المناخ التي ستعقد في اسكتلندا في ظلّ الوضع الاقتصادي والمالي المأزوم. في الواقع، الاستغراب محقّ وعادل، فالقمّة بحد ذاتها لا تحمل بنوداً ملحّة يمكن للبنان أنْ يؤثّر فيها، والوضع العام الذي يعيشه البلد لا يسمح بصرف اموال على امور من هذا النوع، واذا كان عون قرّر المشاركة في الجمعيّة العامة للامم المتحدة عبر تقنيّة الفيديو، فما من حاجة فعليّة لمشاركته شخصياً في قمة المناخ.

ولكن، بعد ساعات على الحملة، تبيّن ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو من سيمثّل لبنان شخصياً في القمّة، وغابت الحملات والانتقادات بطبيعة الحال، ليتبيّن ان أساسها كان فقط استهداف عون وليس الاسباب الموجبة والمحقّة لعدم مشاركته حضورياً. وعليه، انقلبت المسألة من استهداف مشاركته الى استهداف العلاقة القائمة بينه وبين ميقاتي، وتعدّدت الاخبار والاقاويل حول "مناخ سيّء" بين الرجلين، ومنهم من قال ان ميقاتي فرض نفسه ودوره وحصل على أحقيّة تمثيل لبنان حضورياً في القمّة، ومنهم من اعتبر ان عون هو الذي فاتح ميقاتي برغبته في أن يشارك بدلاً منه في اعمال القمّة لإحراجه ووضعه في موقف صعب أمام قادة دول العالم إنْ لجهة عدم التزام لبنان بمقرّرات مؤتمر باريس (لعدم الرغبة وعدم توافر الظروف المناسبة بفعل الوضع الاقتصادي والمالي الكارثي الذي حتّم التغاضي عن الكثير من الاجراءات التي يمكن اتخاذها لتحسين الظروف المناخيّة والبيئيّة)، او لجهة الالتزام بما سيتم العمل عليه في المستقبل القريب من اصلاحات وغيرها من الامور التي يطالب بها الخارج. وفي كل الاحوال، فإنّ التعميم بأنّ اجواء غير مريحة تسود بين عون وميقاتي، بدأ بشكل فاعل، واخذ طريقه نحو التنفيذ.

في المقابل، تؤكد اوساط قريبة من الرجلين انهما في "غير واد" عن هذه الاجواء، وان ميقاتي يصرّ على اظهار التكامل مع عون في كلّ "شاردة وواردة"، خصوصاً وان مجلس الوزراء انعقد هذا الاسبوع في السراي الكبير في غياب عون، وكان الحرص على ارساء مناخ بأن التعاون قائم في حضور رئيس الجمهورية كما في غيابه عن الجلسات، وهذا ما يفسر كثرة زيارات ميقاتي الى قصر بعبدا في الصباح الباكر. ومع عدم معرفة أحد عما اذا كان هذا التعاون سيستمر أم أنه ظرفي فقط، يبقى الواقع أنه لا يزال نابض بالحياة ويستطيع تذليل عقبات عدّة، كما حصل في موضوع تشكيل الحكومة، حيث كان لافتاً عدم مهاجمة ميقاتي لعون في خضمّ التوتر الذي حصل، انّما اكتفى بتوجيه "لطشات" خفيفة، تاركاً خطّ العودة سالكاً وفاتحاً المجال امام المشاورات والمفاوضين للنجاح في مساعيهم، وهذا ما حصل بالفعل.

المعركة بدت تشتدّ حماوة في ما خصّ موضوع الانتخابات النّيابية، والاستهدافات السياسية بدأت تغزو الساحات، ومن المتوقع ان تتصاعد لتصل الى حدود الاستهداف الشخصي في مرحلة لاحقة يتوقع البعض ان تكون مع نهاية العام وبداية العام المقبل. وحتى ذلك الحين، لا مصلحة لكل من عون وميقاتي في "كسر الجرّة" بينهما، فالأوّل سيبدو مكشوفاً أمام الخارج وسيتحمل مسؤولية "افشال" ميقاتي في مساعيه الدولية لوضع لبنان على سكّة التعافي، والثاني يهمّه ان يشاركه عون أي قرار يتم اتخاذه في مواضيع الاصلاحات، لأنّها قرارات ستكون غير شعبية حتماً، ويهمه ان يتقاسمها مع رئيس الجمهورية وإلا يبقى وحده على الساحة لتلقّي السهام. وبالتالي، فإنّ المصلحة المشتركة تجمع حتى الآن الرجلين، الى أنْ يأتي وقت الحصاد الايجابي في مرحلة لاحقة، وعندها قد يحصل الشقاق للرغبة اللبنانيّة السائدة لدى الجميع في حصد النجاحات والابتعاد عن مسؤوليّة الفشل.