منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة ​نجيب ميقاتي​ الثالثة، طرحت الكثير من الأسئلة حول المساعدات الماليةّ الخارجيّة التي ينتظرها ​لبنان​، على أمل أن تساهم في خروجه من أزمته الخانقة، لا سيما أنّ رئيس الحكومة كان قد تحدّث، قبل تشكيلها، عن ضمانات خارجيّة حصل عليها قبل موافقته على التكليف بالمهمة.

بعد ولادة الحكومة، اعتقد الكثيرون أنّ المسار الإيجابي بدأ فعلياً، خصوصاً بعد الانخفاض الذي حصل على مستوى سعر صرف الدولار في ​السوق السوداء​، قبل أن يعود هذا السعر إلى الارتفاع لاحقاً مع ذهاب الحكومة إلى تطبيق خطوات ​رفع الدعم​ عن مختلف السلع الأساسية، لا سيما ​المحروقات​.

ما تقدّم لا يعني الذهاب إلى السيناريوهات السلبيّة منذ الآن، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة لـ"النشرة"، حيث تشير إلى أن من المبكر الحكم على أداء الحكومة منذ اليوم، بالرغم من تأكيدها أنّها خسرت ما يمكن تسميته بنتائج صدمة التشكيل، وتعتبر أنّ الحركة الدبلوماسيّة يمكن البناء عليها للتأكيد بأن لبنان ليس متروكاً ليواجه مصيره وحده، بل هناك رغبة جدية في مساعدته، خصوصاً من دول ​الاتحاد الأوروبي​.

وتلفت هذه المصادر إلى أن هذه الحركة كانت في ذروتها في الاسبوع الحالي، سواء كان ذلك من خلال الزيارات التي يقوم بها العديد من ممثلي الدول أو من خلال اللقاءات التي يعقدها سفراء مع مسؤولين لبنانيين، وتؤكّد أنّ هذه الحركة تعني بما لا يقبل الشك أنّ هناك اهتماماً دولياً بالأوضاع اللبنانيّة، يأتي من باب الحرص على عدم الاستمرار في مسار التدهور الاقتصادي والاجتماعي.

من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا الاهتمام لا يعني أن هناك أموالاً طائلة ستتدفق في الأيام المقبلة، لأنّ تحويله إلى خطوات عملية تنفيذية يتوقف على ما ستقوم بها الحكومة خلال الفترة المقبلة، تحديداً في الفترة الفاصلة عن نهاية العام الحالي، لأنّ البلاد ستكون بعد ذلك قد دخلت عملياً مرحلة ​الانتخابات النيابية​ المقبلة.

في هذا الاطار، تتحدث المصادر المتابعة عن 3 عناوين داخليّة خلافيّة تحدّد مصير المساعدات الخارجيّة إلى لبنان: المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، الإلتزام في اجراء الانتخابات النّيابية في موعدها المقرّر في شهر أيّار المقبل، مسار التحقيقات في جريمة ​انفجار مرفأ بيروت​. وتشير إلى أنّ هذه العناوين تحضر في جميع البيانات الخارجيّة التي تتناول الشأن اللبناني بشكل لافت.

من وجهة نظر هذه المصادر، القرار في الملفّات الثلاثة يتوقّف عند رغبة القوى السياسية الفاعلة في الحكومة، فهي التي من المفترض أن تحسم مسألة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، التي بدأت بوضع الشروط عليه منذ الآن، وهي مَن عليها العمل لتأمين اجراء الانتخابات النّيابية في موعدها، بدل افتعال المشاكل التي تقود إلى تأجيل الاستحقاق، وهي أيضاً من عليها العمل لإزالة العقبات من أمام التحقيقات في جريمة المرفأ، التي دخلت مساراً خطيراً لا يحتمل أن يقود إلى تنحية المحقق العدلي ​طارق البيطار​.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الوصول إلى توافقات حول الملفّات الثلاثة المذكورة ليس سهلاً على الاطلاق، لكنّه مؤشّر على الرهانات التي لدى القوى السياسية، نظراً إلى أنها تتعامل معها على أساس أنّها كتهديد لها، لكن في الوقت نفسه تدرك أنْ لا مفرّ أمامها من تقديم تنازلات فيها، خصوصاً أنها لا تريد التفكير في أيّ خيارات بديلة من الحصول على المساعدات الخارجيّة، المرتبطة بشكل وثيق بهذه الملفّات، لا سيما الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي.

في المحصّلة، فترة السماح الممنوحة لحكومة ميقاتي، أو للقوى السياسية المشاركة فيها، كي تحسم خياراتها ليست طويلة، لكن هل تستطيع تجاوز خلافاتها للوصول إلى قرارات موحّدة، بينما هي تتحضّر لمرحلة الانتخابات التي ستشنّ فيها حروباً على بعضها البعض، تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة؟.