في الوقت الذي لم تتضح بعد الصورة النهائية التي ستُشارك قوى التغيير تحت مظلّتها في الإنتخابات، أي في الوقت الذي لا تزال فيه شخصيّات وهيئات ما يُسمّى "المُجتمع المدني" غير مُجمّعة في لوائح إنتخابيّة واحدة وواضحة المشروع والرؤية، بدأت أحزاب السُلطة وتلك التي خرجت منها بالأمس القريب، تحضيراتها لخوض إنتخابات العام 2022، لجهة دراسة الأرض، وإعداد اللوائح الإنتخابيّة، ووضع الخطوط العريضة للترشيحات وللتحالفات، والأهم تحضير الشعارات التي ستُخاض في ظلّها الإنتخابات. وفي هذا السياق يُمكن تسجيل ما يلي:

-"​حزب الله​" الذي يُعتبر أكثر الأفرقاء إرتياحًا إلى وضعه الإنتخابي، بفعل الفارق الكبير الذي حصده عن منافسيه في الإنتخابات الماضية، بما يكفل فوزه بشكل كاسح من جديد-حتى لوّ سلّمنا جدلاً أنّ شعبيّته ربما تراجعت بعض الشيء، بدأ يعمل من اليوم على حثّ الناخبين على تحضير أنفسهم لدعم لوائحه. وهو كثّف في المرحلة الأخيرة ترويجه بأنّ سبب الأزمة الحالية يعود إلى الحصار المَفروض أميركيًا على لبنان، مع وعود بالعمل على كسر هذا الحصار، كما حصل في موضوع المحروقات، وذلك من خلال إستيراد المزيد من سُفن البنزين والمازوت، وحتى مع بدء الحديث عن إستعدادات لبناء محطات توليد للطاقة الكهربائيّة، في حال بقاء الأمور من دون مُعالجة من قبل الدولة! كما يعمل "الحزب" في حملاته على تعميم وجوب التصويت للمرشّحين الذين سيُرشّحهم "حزب الله"، ولأولئك الذين سيدعمهم أيضًا، وذلك بهدف منع مُحاصرة "محور المُقاومة" ككلّ، ولتثبيت الإنتصارات التي تحقّقت خلال السنوات الماضية، ولمنع إعادة لبنان إلى الوراء-ودائمًا بحسب حملات "الحزب".

-"التيّار الوطني الحُرّ"يبني من جهته حملاته السياسيّة والإعلاميّة الخاصة بالتحضير للإنتخابات، على معركة "التحقيق الجنائي"، مع تقديم الوُعود للرأي العام بالعمل بشكل حثيث لكشف المسؤولين عن السرقات والسمسرات والهدر، وكذلك بالعمل على إعادة الأموال المَنهوبة، والودائع المُفترضة في المصارف. ويُواصل "التيّار" مُطالبته بضرورة تغيير النهج الإقتصادي-المالي الذي كان مُعتمدًا منذ ثلاثة عُقود حتى اليوم، والذي أوصل برأيه لبنان إلى الإنهيار. كما يُركّز "التيّار" في حملاته الهادفة إلى جذب الناخبين، والمُرشّحة للتصاعد كلّما إقترب موعد الإنتخابات النيابيّة، على معركة إستعادة الصلاحيّات، لا سيّما لجهة فرض الطرف المسيحي شريكًا كامل الصلاحيات ضمن التركيبة اللبنانيّة.

-بالنسبة إلى "المُستقبل" الذي يُعاني من فُقدان للتوازن، نتيجة خروج رئيسه النائب سعد الحريري من الحُكم، فهو يبني معركته الإنتخابيّة على الحفاظ على دُستور الطائف، وعلى الصلاحيّات التي أنيطت بالطائفة السنيّة في الدُستور المَذكور، وعلى منع إستفراد رموز الطائفة السنيّة السياسيّين والأمنيّين والإداريّين، إلخ. وخلف الكواليس، يُحضّر "المُستقبل" العدّة لتغييرات كبيرة على مُستوى نوّابه ومرشّحيه ومسؤولي الحملات الإنتخابيّة، في ظلّ نيّة لتقديم أدوار "الصُقور" على "الحمائم" داخل "التيّار الأزرق". ومن المُنتظر أن يُركّز "المُستقبل" معركته على مُهاجمة "التيّار الوطني الحُر" بشكل قويّ، وذلك بهدف مُحاولة الإنتقام من "التيّار"، والمُشاركة بفعاليّة في إعادة تركيب السُلطة في لبنان، وذلك بالتنسيق مع قوى سياسيّة عدة تتشارك مع "المُستقبل" بضرورة إضعاف نُفوذ "التيّار" في الدولة، وبضرورة قطع الطريق أمام أيّ مُرشّح من صُفوفه لمنصب رئاسة الجمهوريّة في الدورة المُقبلة.

-في ما خصّ "الإشتراكي" فهو يبني معركته الإنتخابيّة على مبدأ الدفاع عن موقع طائفة المُوحّدين الدُروز، والحفاظ على دورها ضمن التركيبة اللبنانيّة، على الرغم من قلّة العدد. وبالتزامن مع إطلاق الوعود بالحفاظ على أمن وإستقرار الجبل، والعمل على تأمين كل وسائل صُمود الأهالي فيه، في ظلّ الظروف الصعبة الحاليّة، يعمل "الإشتراكي" على بقاء نُفوذه وموقعه الريادي، مُعوّلاً على تحالفه مع "حركة أمل"، وعلى تنسيقه مع قوى أخرى مُتعدّدة مثل "المُستقبل" و"المردة" وغيرهما، لإضعاف نُفوذ "التيّار البُرتقالي".

-بالإنتقال إلى "القوات"، فهي تبني معركتها الإنتخابيّة على مُهاجمة كلّ الأحزاب التي لا تزال في السلطة التنفيذيّة، وعلى إطلاق الوُعود بالعمل على تغيير الأكثريّة النيابيّة في المجلس التشريعي، على أمل سحب الأكثريّة العدديّة من يد التحالف القائم بين"حزب الله" وحلفائه،و"التيّار الوطني الحُرّ"، حيث تعتبر أنّ هذا التحالف مسؤول عن وُصول الأمور في لبنان إلى هذا الدرك من التدهور. لكن تُواجه "القوات" مُشكلة تراجع علاقاتها مع أغلبيّة القوى، حتى مع "المُستقبل" و"الإشتراكي" اللذين يعملان على أجندات مُختلفة، ما يُصعّب مهمّة تحقيق تغيير الأكثريّة.

-بالنسبة إلى "أمل"، فالتكامل مع "الحزب" مُستمرّ، بهدف تكرار نتائج الدورة السابقة، بغضّ النظر عن التضعضع الذي قد يكون قد لحق بقواعدها الشعبيّة، على غرار مُختلف الأحزاب في لبنان، بسبب إستفحال الأزمة المعيشيّة والحياتيّة. وتبني "أمل" معركتها على وُعود إنتخابيّة بمُعالجة المشاكل الإقتصاديّة، وعلى تنسيق سياسي غير ظاهر مع كل من "الإشتراكي" و"المردة" وحتى "المُستقبل" وغيرها من القوى، في مُحاولةلفرض مُرشّح الرئاسة المُقبل.

-والتحضير للمعركة الإنتخابيّة يشمل أيضًا "الكتائب" الذي يبني خُطابه على مُعارضة مُختلف القوى، أكانت في السُلطة أم خارجها، وهو يأمل أن يتمكّن من التحالف مع مرشّحي "المجتمع المدني" لخوض المعركة الإنتخابيّة على لوائح مُشتركة تضمّ أيضًا مُرشّحين مُستقلّين يُرجّح ألا يجدوا مقاعد لهم على لوائح "الأحزاب". لكنّ هذا الهدف يُواجه مُعارضة من داخل جزء كبير من هيئات "المُجتمع المدني"، وهو غير واضح المعالم حتى تاريخه.

في الخلاصة، كل القوى السياسيّة بدأت إستعداداتها للمعركة الإنتخابيّة، وهي تُحضّر العدّة لخوض مُواجهات سياسيّة وإعلاميّة شرسة في ما بينها، في حين تتجه الأنظار إلى القوى "التغييريّة" و"الثوريّة" التي ما لم تتجمّع في لوائح قويّة ومُوحّدة، فإنّ فرصتها في الوُصول بأعداد كبيرة إلى ​المجلس النيابي​ مشكوك فيها. ويبقى معرفة وجهة تصويت الأغلبيّة الصامتة من اللبنانيّين، والتي ستُحدّد وحدها، توازنات المجلس النيابي المُقبل.