صحيح أن ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة غيّر حياة اللبنانيين بالكامل فانعكس ارتفاعاً في الأسعار وغلاءً في المعيشة وأدى الى إنهيار الدولة، ولكن الصحيح أيضاً أن هذه "البنية" متخلخلة منذ زمن وتحتاج الى إعادة اصلاح... ممّا يؤثر على مستقبل الأجيال القادمة لناحية التعليم الذي أصبح في خطر!.

طبعا معاناة الاساتذة في القطاع العام كبيرة جداً لناحية الغلاء الفاحش في البنزين أو في المواد الغذائية أو غيره، والاستاذ في التعليم الرسمي كأيّ مواطن آخر يحتاج الى تأمين مدخول كافٍ للإستمرار في ظلّ هذه الاوضاع والراتب الذي يتقاضاه لم يعد يساوي شيئاً...

في معظم دول العالم الإعتماد هو على المدارس الرسميّة التي تعتبر أساسيّة، بينما في لبنان المفهوم العام أن من يريد التعلّم يدخل المدارس الخاصة، واليوم تأتي الدولة لتضيف عبئاً عليها فتصرف الاموال الّتي تأتيها من الخارج دون تقييم لاداء الاساتذة والحضور وساعات العمل وغيره، أي دون دراسة أو حتى "غربلة" لمن يستحق ومن لا يستحقّ!.

حلّ وزارة التربية

في وزارة التربية سعي حثيث لحلّ مشكلة عودة أساتذه التعليم الرسمي الى عملهم، وتشير مصادرها لـ"النشرة" الى أنه "هناك تقريباً حوالي 50 ألف استاذ مسجّل في التعليم الرسمي ما بين اداريين، اساتذة، متعاقدين ومن يدخلون في الملاك"، لافتةً الى أن "الزيادات مقسّمة الى أجزاء: 90 دولارا (تدفع حسب سعر صرف الدولار في السوق السوداء) للأستاذ الذي يدخل في ملاك الدولة، نصف راتب لكلّ استاذ نسبة الى راتبه في الملاك وهذا الأمر مدرج في الموازنة، زيادة بدل النقل الى 60 أو 64 الف ليرة، اضافة الى حصوله على البطاقة التمويلية والمبلغ من البنك الدولي"، مضيفة: "الاستاذ المتعاقد سيحصل على المبلغ من البنك الدولي وزيادة على الساعات بنسبة 80%، أي ما يقارب ارتفاع نسبة 150%، أمّا الاستاذ المتعاقد ستكون الزيادة بنسبة 80%".

لا دراسة ولا رقابة

لا يوجد حتى الساعة في أدارج وزارة التربية الأرقام النهائية للمبالغ التي ستصرف. ولكن اللافت بحسب المصادر أن "هذه المبالغ تنقسم ما بين قروض على لبنان اعادتها، وبين هبة". في المقابل يؤكد رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية عبر "النشرة" أن " ليس لدى التفتيش المركزي دراسة شاملة عن وضع الاساتذة في التعليم الرسمي، وعمّا اذا كانوا يحضرون جميعًا الى العمل"، مشيرا الى أنّ "كل ما قمنا في الفترة السابقة هو دراسة حول ساعات التعاقد للمستعان بهم فقط لا غير".

الدفع عشوائياً

إذاً، الاموال للتعليم الرسمي ستدفع دون دراسة أو تقييم لمن يستحق ويقوم بواجباته من الاساتذة... وهنا تشدّد مصادر مطّلعة على ضرورة إجراء الرقابة، فإذا اجرينا مراجعة فهناك عدد من الاساتذة المسجلين في التعليم الرسمي لا يمارسون وظيفتهم، على سبيل المثال المدرسة التي تضم 30 تلميذاً ومسجل فيها 40 أستاذاً، فهؤلاء لا عمل لهم وبالتالي يقبضون ولا يذهبون الى عملهم، واليوم يأتون للمطالبة باضافات، وهناك سلسلة رتب ورواتب قبضوها منذ سنتين تقريباً، اضافة الى أن الاستاذ يتقاضى راتبه من الدولة وهو أصلا منذ 17 تشرين الأول 2019 لا يعمل حضورياً نتيجة الاحتجاجات وتفشّي فيروس كورونا بعدها، وفي نفس الوقت الاستاذ الذي يرفض الحضور الى المدرسة الرسميّة هو نفسه يمارس عمله بشكل عادي في المدارس الخاصة.

على هذا الكلام يردّ رئيس رابطة التعليم الثانوي نزيه جباوي عبر "النشرة" أن "اساتذة الملاك لا يعلمون في المدارس الخاصة، في المقابل فإنّ الاساتذة المتعاقدون يقومون بذلك وعددهم ليس كبيراً، ويذهبون الى المدارس الخاصة لأنّهم يحصلون على حقوقهم".

الاستاذ في التعليم الرسمي سواء كان في الملاك أو متعاقد هو مواطن لبناني وربّ عائلة ولديه مسؤوليات، ومن واجب الدولة أن تعطيه حقوقه، ولكن المطلوب منها ألاّ تستمرّ على المنوال الذي وصلت به الى الإنهيار وهدر الاموال، وأن تبدأ رحلة البناء بالرقابة ووضع الخطط لتوزيع الأموال على من يستحق وبالتالي اعطاء كلّ ذي حقّ حقه!.