"لِصُورتِكَ الطَّاهِرَةِ نَسجُدُ أيُّها الصَّالح، طالِبينَ غُفرانَ الخَطايا أيُّها المسيحُ إلهُنا. لأنّكَ قَبِلتَ أن تَرتَفِعَ بالجسدِ على الصَّليبِ طَوعًا، لتُنجِّيَ مِنْ عُبوديَّةِ العَدُوّ الّذينَ خَلَقْتَهُم. لِذلكِ نهتِفُ إليكَ بشُكرٍ: لقد مَلأتَ الكُلَّ فَرَحًا يا مُخلِّصَنا، إذْ أتيتَ لِتُخَلِّصَ العالم".

هذا ما يقولُهُ الكاهنُ وهو واقِفٌ أمامَ أيقُونَةِ السيّدِ استِعدادًا للقدَّاسِ الإلَهيّ.

تُشَكِّلُ هذه الكلماتُ أيضًا ترتيلة "طروباريّة" أحَدِ الأُرثُوذُكسيَّة، وهو الأحدِ الأوّلِ مِن الصَّومِ الأربَعِينيّ المُقَدَّس، وفيهِ نقيمُ زيّاحًا مَهيبًا للأيقُوناتِ تَذكارًا لانتِصارِ الإيمَانِ القَويمِ بعدَ حوالي مئة وعشرين سنةً مِنَ الاضطِهادِ ضِدَّ الأيقُونَات، والتي دَفعَ ثمنَها مئاتٌ مِنَ الشُّهَداءِ الكَهَنَةِ والرُّهبانِ والمُؤمِنينَ دِفاعًا عنِ الأيقُونات.

نقولُ هذا الكلامَ لأنَّ يومَ غدٍ هو تَذكارُ آباءِ المَجمعِ المَسكونيّ السَّابِعِ، الّذين أعلَنوا انتِصَارَ الإيمَانِ القَويمِ، وتَكريمَ الأيقُونات. وقد انعقَدَ هذا المَجمعُ في "نيقية" (تركيا اليوم)، بينَ أواخِرِ شهرِ أيلُولُ ومُنتَصَفِ شهرِ تِشرينَ الأوَّل، منَ العَامِ ٧٨٧م، في زَمَنِ الإمبَراطُورَةِ "إيريني"، الوَصِيَّةِ على ابنِها القَاصِرِ بعدَ وَفاةِ زَوجِها. وإيريني أيضًا قِدّيسَةٌ لِدَورِها الرَّائدِ في انعِقادِ المَجمَعِ السَّابع. ويَأتي تَذكارُ هؤلاءِ الآباءِ في الأحَدِ الوَاقِعِ ما بينَ الحادي عشر والثامن عشر مِن شهرِ تِشرينَ الأوَّل في كُلِّ عام.

وفي مَا يَخُصُّ تَكريمَ الأيقُونَاتِ جَاءَ في هَذا المَجمَع: "إنَّنا نُحافِظُ على كُلِّ تَقالِيدِ الكَنيسَةِ، حتَّى يَومِنا هَذا، بِلا تَغييرٍ أو تَبديل. ومن هَذِهِ التَّقاليدِ، الصُّوَرُ المَمَثِّلَةُ للأشخاص. وهو تَقليدٌ مُفيدٌ من عِدَّةِ وُجوه، ولاسيَّما أنَّهُ يُظهِرُ أنَّ تَجَسُّدَ الكَلِمَةِ إلهِنا، هُوَ حَقيقَةٌ وليسَ خَيالاً أو تَصوُّرًا".

هذا الكلامُ يُلَخِّصُ لاهوتَ الأيقُونَةِ، إن صَحَّ التَّعبير، والمُرتَبِطَ أساسًا بِصيرُورَةِ اللهِ إنسانًا، لِذا تَكريمُنا لأيقُونَةِ الرَّبِّ يَسوعَ المَسيحِ مثلًا، هُوَ لِما تُمَثِّلُهُ أَيقونَتُهُ، أي الإلهَ المُخَلِّصَ، وليسَ لِخَشبَةٍ أو رُسومَاتٍ وأَلوانٍ لا سَمحَ الله. وهَذا يَنطَبِقُ على كُلِّ الأيقُونات.

صَحيحٌ أنَّنا نَقرَأُ شُروحَاتٍ وافِيَةً لِلقِدِّيسِ يُوحنَّا الدِّمَشقِيّ (٦٧٦- ٧٤٩م) في هذا الخُصوص، وأيضًا لِلقِدِّيسِ ثيوذوروس الستوديتي (٧٥٩-٨٢٦م)، إلّا أنَّ تاريخَ الكَنيسَةِ مَليءٌ بِشُروحَاتٍ مُمَاثِلَةٍ وتَوضيحَاتٍ كافِيَةٍ حَولَ تَكريمِ الأيقُونَةِ مِنَ القُرونِ الأُولى للمَسيحِيَّةِ، مِن عِظاتٍ لِقِدِّيسِينَ وأَساقِفَةٍ ومُراسِلاتٍ وكِتابَات[1]، وهَذا يُؤَكِّدُ حُضورَ الأيقُونَةِ مُنذُ البِدَايَة.

ويبقى المهمُّ في كُلِّ ما نُقيمُ ذِكرَاهُ أن نَعِيشَه، ويَكونَ لنا مَسلَكًا وحَياةً. فالهَدَفُ لا يَقتَصِرُ على المَعرِفَةِ فَحَسب، بل على عَيشِ هَذِهِ المَعرِفَةِ لأنَّ إيمانَنا حَياةٌ، ومُعاشٌ بِالرُّوحِ القُدُس. فَبِقَدرِ ما نَغُوصُ في المَعرِفَةِ بِقَدرِ ما يَجِبُ أن نَعِيَ أن مَسؤولِيَّتَنا كَبيرَةٌ وهِيَ دائِمًا ثُلاثِيَّة: تُجاهَ اللهِ، وتُجاهَ الآخَرِ، وتُجاهَ أنفُسِنا.

وهذا تَحديدًا مَا قَالَهُ الرَّبُّ عنِ اليَهُودِ: "لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ"(يوحنا ٢١:١٥).

ولَيسَ لنا عُذرٌ وقَد سَبَقَتنا قَوافِلُ مِنَ القِدِّيسِينَ شَهِدُوا للرَّب، ومِنهُم مَن قَدَّمُوا الشَّهادةَ الحَمرَاءَ أي استُشهِدُوا مِن أجلِ المَسيح.

وكَونُ النُّقطَةِ الأَساسِيَّةِ الّتي أتى علَيها آباءُ المَجمَعِ السَّابِعِ في الدِّفاعِ عَنِ الأيقُونَةِ بِأنَّها تَرجَمَةً للتَّجسُّدِ الإلَهيّ، أَصبَحَ مِنَ الواجِبِ عَلَينا أن نُدرِكَ ونَعِيَ كُلَّ مَرَّةٍ نَنظُرُ فيها إلى أَيقُونَةِ الرَّبِّ بأنَّ يَسوعَ الإلهَ المُتَجَسِّدَ الوَاحِدَ في الجَوهَرِ الإلَهيّ مَعَ الآبِ والرُّوحِ هُوَ إلهٌ شَخصيّ Un Dieu personnel، وهذا ما تَقولُهُ المَسيحِيَّةُ حَصْرًا.

لِهذا في أَحدِ الأُرثُوذُكسِيَّةِ يَجلِبُ كُلُّ مُؤمِنٍ إلى الكَنِيسَةِ أيقُونَتَه، وَيحمِلُها في الزيَّاحِ لأَنَّها تَخُصُّهُ هُوَ شَخصِيًّا، فنَكُونُ جَميعُنا مَعًا عَائِلَةً واحِدَةً رأسُها المَسيح، كما قالَ الرَّسولُ بُولس: "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلًا، بَلْ رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ"(أفسس ١٩:٢-٢١).

وبِالعَودَةِ للطّرُوبَارِيَّةِ أَعلاه، نُلاحِظُ أنَّها تُلَخِّصُ التَّدبيرَ الإلَهِيَّ الّذي تَمَّمَهُ الرَّبُّ مِن أَجلِ كُلِّ واحِدٍ مِنّا، وَالمَقصَدَ منه. فَهِيَ تَتوجَّهُ إلى المَسيحِ بِالقَول: لقد صُلِبتَ طَوعًا لتُنَجّيَنا مِن عُبودِيَّةِ إبليسَ الّتي هِيَ اليَأسُ والشَّطَطُ والمَوت. وتُكمِلُ بالهُتافِ والشُّكران: لقد مَلأتَنا فَرَحًا يا مُخلِّصَنا. فهذا الفَرَحُ هُوَ السَّلامُ الدَّاخِليّ الّذي لا يُمكِنُ لأحَدٍ أن يُعطِيَنا إيّاه إلّا المَسيح.

هذا كُلُّه يَتَطلَّبُ فَحصًا دَقِيقًا شَخصِيًّا لِحَياتِنا في مَسيرتِنا في هَذِهِ الحَياةِ الّتي مِنَ المُفتَرَضِ أن تَكونَ رِحلَةً إلى المَلكُوتِ السَّماوي، إذ كُلُّنا مَدعُوونَ لِنُشِعَّ فيهِ لأنَّنا خُلِقنا لِنَكونَ أيقُونَاتٍ نُورانِيَّةً، تَمامًا كما نُعَرِّفُ الأيقُونَةَ بِأنَّها نَافِذَةٌ إلى هَذا المَلكُوت. وبِهذا يَتَحقَّقُ ما خَتَمَ به بُولُسُ آياتِهِ: "الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرُّوحِ" (أفسس ٢٢:٢).

واستِطرادًا إنَّ حياتَنا رِحلَةٌ إلى المَلَكُوتِ، يَحضُرُني هُنا ما كَتَبَهُ الفَيلسُوفُ الألماني Arthur Schopenhauer (1788-1860) الذي طالَما بَحَثَ عَنِ السَّعادَةِ الدَّاخِليَّةِ وكَتَبَ عنها، ولَكِنَّهُ للأَسَفِ لم يَقتَرِبْ كِفايَةً مِن يَسوع، وإلّا لَكانَ وَجَدَ ما كانَ يَبحَثُ عنه.

فقد كَتَبَ حَولَ حِكمَةِ الحَياةِ: "عِندَما يَبلُغُ المُسافِرُ مَكانَةً رَفيعَةً يُدرِكُ بِلَمحِ البَصَرِ الطَّريقَ الّذي سَلَكَهُ، بِمُنعطفَاتِهِ ومُنحَنَياتِه. وهَكذا نَحنُ في نِهايَةِ فَترَةِ وُجودِنا نُدرِكُ حَقيقةَ أعمالِنا وتَصرُّفاتِنا وما نَتجَ عنها، وارتباطَها فيما بَينَها وقِيمتَها". ويُتابِعُ: "طَالَما نَحنُ مُنغَمِسُون في كُلِّ أعمالِنا، فَإنَّنا نَتصرَّفُ فقط، وفقًا للخَصائصِ الّتي لا تَتزَعزَعُ لِشَخصيَّتِنا (أي الّتي نتمَسَّكُ بِها)، وتَحتَ تَأثيرِ الدَّوافِعِ ومِقياسِ قُدرَاتِنا". وأَيضًا، "نَحنُ نَفعَلُ فقط في وقتٍ مُعيَّنٍ ما يَبدُو في ذَلِكَ الوَقتِ صَحيحًا ومُناسِبًا لنا بِحَسَبِ نَوايَانا"، والأمرُ الجَوهَريّ عندما يَقُولُ: "كُلُّ ما نَقومُ بِهِ يَتُمُّ مِن خِلالِ الإلهامِ والاستِرشَادِ بِعَبقَريَّتِنا"، ويُنهي: "هذا يَنطَبِقُ على مَا هُوَ جَيِّدٌ ومَا هُوَ سَيّء".

هُنا بَيتُ القَصيد، مَهما نَسمُو وتَسمو مَعرِفَتُنا، فَمِن دُونِ المَسيحِ نَحنُ لا شيءَ، لا بَل قد نُضَيِّعُ الطَّريقَ الحَقيقيَّ ونُخطِئُ بِوُجهَةِ سَفَرِنَا في هَذا الزَّمنِ الحَاضِر.

وكمَا نَقولُ بِأنَّ الأيقُونَةَ تُكتَبُ ولا تُرسَم، عَلينا بِالمُؤازَرَةِ مَعَ المَسيحِ بِالرُّوحِ القُدُسِ La Synergie أن نَكتُبَ أيقُونَتَنا مُنذُ الآنَ لِيَكتُبَ اللهُ اسمَنا مَعَه في سِفرِ الحَياةِ الأبَدِيَّة. آمين.

[1] Les Images Chrétiennes – Père Stéphane Bigham.