في 6 شباط 2006 وقّع كلّ من مؤسّس ورئيس "التيّار الوطني الحُرّ" آنذاك العماد ميشال عون وأمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله "مُذكّرة تفاهم" غيّرت التوازنات الداخليّة كلّها في لبنان، وتركت العديد من الإنعكاسات الحاسمة على مُختلف الملفّات فيه. وقد مرّت هذه العلاقة بهبّات باردة وأخرى ساخنة على مدى السنوات الماضية، وبلغت في العامين الماضيين مرحلة غير سليمة بسبب تراكم التباينات، وُصولاً إلى بلوغها حاليًا محطّة مفصليّة بسبب التباين بشأن ملفّ المُحقّق العدلي القاضي طارق البيطار. فما هي التوقّعات بالنسبة إلى مُستقبل العلاقة بين الطرفين؟.

لا شكّ أنّ العديد من البنود التي وردت في "مُذكّرة التفاهم" بقيت حبرًا على ورق، ومنها مثلاً بُنود "ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا" و"تثبيت لبنانيّة مزارع شبعا"، و"كشف مصير المُعتقلين اللبنانيّين في السُجون السوريّة" و"إنهاء السلاح (الفلسطيني) خارج المخيّمات وترتيب الوضع الأمني داخلها"، و"حل مُشكلة اللبنانيّين الموجودين لدى إسرائيل"، و"معالجة الفسادة من جُذوره" وتأمين "الإستقلاليّة التامة لمؤسّسة القضاء" و"إحترام عمل المؤسّسات الدُستوريّة وإبعادها عن التجاذبات السياسيّة وتأمين إستمراريّة عملها وعدم تعطيلها"، وغيرها العديد من البنود، ومن بينها كل ما يرتبط ببناء الدولة وبالإستراتيجيّة الدفاعيّة...الأمر الذي كان قد إستدعى تشكيل لجنة مُشتركة من الطرفين مطلع هذا العام للبحث في تطوير التفاهم. لكنّ التطوّرات المُتسارعة التي وقعت خلال الأشهر الماضية حالت دون مُعالجة هذه المسألة. وخلال الأيّام القليلة الماضية، تقدّم التباين بشأن ملفّ تحقيقات إنفجار المرفأ إلى الواجهة، مع كل إنعكاساته السلبيّة على العلاقة بين الطرفين، وحتى على إجتماعات مجلس الوزراء.

ولا شكّ أنّ "حزب الله"، وتحت عنوان رفض ما يعتبره "إستنسابيّة" و"تسييس" من جانب القاضي العدلي طارق البيطار، مُصرّ على إزاحة هذا الأخير عن الملفّ، بأيّ وسيلة. وهذه المسألة في حال حُصولها، سترتدّ سلبًا جدًا على "التيّار الوطني الحُرّ"، بغضّ النظر عن المخرج الذي قد يُعتمد لكفّ يد القاضي البيطار نهائيًا عن تحقيقات انفجار الرابع من آب. فحتى لو تنحّى المُحقّق العدلي من تلقاء نفسه تحت وطأة الضُغوط، أو جرت إزاحته من قبل أي هيئة قضائيّة أو عبر أي وسيلة قانونيّة من باب الهروب إلى الأمام، فإنّ خُصوم "التيّار" أعدّوا العدّة للهجوم عليه سياسيًا وإعلاميًا، ولإظهار عجزه عن الوُقوف بوجه "حزب الله" في أيّ ملف مُهمّ، الأمر الذي من شأنِهِ أن يُلحق أضرارًا معنويّة كبيرة بتحضيرات "التيّار" الإنتخابيّة عشيّة الإستحقاق النيابي المفصلي في الربيع المُقبل. والمُشكلة المُحرجة أكثر بالنسبة إلى "التيار" هي تعطّل جلسات مجلس الوزراء، بإعتبار أنّ الحُكومة الحاليّة محسوبة سياسيًا على تحالف "التيّار–الحزب"، ولوّ أنّها تتضمّن مُمثّلين عن بعض القوى الأخرى وعن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وإذا كان صحيحًا أنّ التطوّرات الأمنيّة والدَمويّة الخطيرة التي جرت في الطيّونة يوم الخميس الماضي قد أشاحت التركيز قليلاً عن قضيّة المُحقّق العدلي، إلا أنّ الأصحّ أنّ هذا الموضوع سيعود ويطغى هذا الأسبوع، خاصة وأنّ التداخل موجود بين ملفيّ أحداث الطيّونة وتحقيقات المرفأ. والأنظار ستكون مُوجّهة إلى موعد إنعقاد جلسة مجلس الوزراء، وإلى بنود الجلسة، وإلى طبيعة مُداولاتها، في هذين الملفّين. ومن المُتوقّع في الأيّام المقبلة أن يُصعّد "الثنائي الشيعي" ضُغوطهما في ملفيّ المرفأ وأحداث الطيّونة، لجهة المُطالبة بتنحية القاضيالبيطار ولجهة مُحاكمة حزب "القوّات اللبنانيّة"، بينما سيكون على "التيّار" السير بين حقل ألغام وقياس مواقفه وخطواته بميزان صائغ المجوهرات، لأنّ المعركة الإنتخابيّة على الأبواب، ولأنّ أعدادًا كبيرة من الناخبين ضُمن البيئة المسيحيّة بالتحديد، ضاقوا ذرعًا بالعنجهيّة وبسياسة الفوقيّة المُطبّقة ضُدّهم، من مسألة فرض خيارات إستراتيجيّة كبرى على لبنان وجرّه بالقُوّة إلى محور قتالي إقليمي ضُدّ آخر، نزولاً حتى مسألة إستسهال الإعتداء على أملاكهم وعلى كراماتهم داخل شوارعهم ومنازلهم الآمنة، وما بين هاتين المسألتين. وبالتالي، إنّ أيّ موقف غير مَحسوب من قبل "التيّار"، سيرتدّ سلبًا عليه في صناديق الإقتراع.

في الختام، لا شكّ أنّ علاقة "التيّار" و"الحزب" ليست في أفضل أحوالها حاليًا، إلا أنّ إستمرارها حتميّ، إنطلاقًا من التوافق الإستراتيجي بين الطرفين أوّلاً، ولأنّهما بحاجة لبعضهما البعض ثانيًا، لمُواجهة خُصومهما المُشتركين وغير المُشتركين أيضًا! لكن إذا كان صحيحًا أنّ لبنان بحاجة إلى إتفاقات وإلى تفاهمات وإلى تسويات بين مُختلف مُكوّناته، على أمل أن يرى اللبنانيّون أيّامًا غير تلك القاحلة السواد التي يعيشونها حاليًا، فإنّ الأصحّأنّه في حال بقاء هذه الإتفاقات عبارة عن تفاهمات مصلحيّة ضيّقة ثُنائيّة، أو عن تحالفات مصلحيّة ضيّقة للإستقواء على الآخرين، أو حتى عبارة عن شعارات إعلاميّة فارغة وغير مُطبّقة عمليًا على الأرض، فإنّ مصيرها سيكون الإندثار في المُستقبل، مهما طال الوقت!.