نهار واحد فقط فصل بين الرقم 13 المشؤوم الذي يحتفظ لبنان بشواهد عديدة على المصائب التي يحملها اليه والى المواطنين، وبين احداث الطّيونة الدمويّة التي ستبقى في الذاكرة لوقت غير قصير. 14 تشرين الاول 2021 هو اليوم الذي شهد فيه لبنان صفحة جديدة من صفحاته الاليمة التي تهدّد بتغيير مساره ومصيره. ولا شكّ ان هذه الاحداث، على الرغم من الغموض الذي يسود اسبابها وملابساتها، حملت حقائق دامغة لا تحمل التأويل او الشك، وتثير الحوف الحقيقي على الوطن وهويته ومستقبله.

-الجيش اللبناني:لم يكن هناك اي شك، في الداخل او الخارج على حدّ سواء، بأنّ الجيش بالفعل هو الحل الوحيد لمشاكل لبنان، وان دعمه والوقوف خلفه من قبل الجميع هو الحلّ الأساسي لتجنيب لبنان خطر الانزلاق الى نقطة اللاعودة والاضمحلال. وعليه، ربما من الافضل ان تخرس كل الاصوات التي تنتقد الجيش، وتعاود قراءتها وحساباتها لتعرف أنّ ما تخشى قوله للزعماء ورؤساء الاحزاب والتيارات السياسية، لا يجب ان تقوله للجيش...

-القاضي طارق البيطار: ان قضية انفجار مرفأ بيروت، هي الاكثر تضرراً من أحداث يوم الخميس الفائت في الطّيونة، ولو انّ كل ما حصل كان تحت عنوانها. فلا التظاهرة ولا الاحداث الدامية التي رافقتها، نجحتا في تحقيق تقدّم ولو خطوة واحدة في اتّجاه كشف المستور في هذا الملفّ، واظهرت انّ ما يقوله الجميع في العلن لناحية دعم ظهور الحقيقة، هو مجرّد كلام تحبطه الافعال في السرّ.اما مصير المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، فقد تكون الاحداث قد ساهمت في ايجاد حلّ له، يحافظ فيهاعلى صورته من خلال التقدّم باستقالته حفاظاً على وحدة البلد. وفي هذا السياق، تشير المعلومات المتوافرة الى انّ القاضي البيطار يدرك جيداً ان قراراته ومذكّراته التوقيفيّة لن تصل الى هدفها، وانّه مع كثرة التشكيك بمساره التحقيقي والاهم انه بات سبب إراقة دماء في لبنان (على الرغم من أنّه غير معني بهذا الامر بتاتاً)، يشكّل تَقَدُّمه باستقالته المخرج الذي يرضي الجميع ويحافظ في الوقت نفسه على ماء وجهه، ما يسمح له بالتقدُّم بحياته المهنيّة وربما تعيينه في منصب داخل السلك القضائي او خارجه وفق ما يريد، خصوصاً وانالانتخابات ستشكّل الدواء الشافي لتناسي كل الملفّات الأخرى مهما كانت كبيرة او صغيرة.

-الحرب "الاهلية": لم يعد هناك من شكّ لدى أحد، أكان من المؤمنين او المنظّرين او الداعين او حتى المشكّكين بالحرب الاهليّة وقدرتها على فرض نفسها في لبنان بسرعة البرق، انّ هذا الواقع بعيد وليس في متناول اليد. دقائق قليلة كانت كفيلة باعادة رسم خطوط التماس، واحياء الاجواء التي قيل انها ولّت الى غير رجعة، وانها دفنت مع "بوسطة عين الرمانة" في ذاك التاريخ المشؤوم. من الّذي يصدّق أنّ ما حصل كان "ابن ساعته"، وانه بلمح البصر ظهرت بنادق القنّاصة وكمّيات الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة، والتخطيط العسكري لدى الجانبين؟ من الواضح أنّ القدّيسين كانوا غائبين على طرفي "خطوط التماس في هذا اليوم، وحضرت الشياطين بقوّة فيما قام الجيش بكل ما يمكن القيام به في مثل هذه الظروف الحساسة.

-الانتخابات النيابية: نعم، ربح الزعماء ورؤساء التيارات السياسية رهانهم على شدّ العصب والحشد للانتخابات، وتهافت الجميع لقطف الثمار، ولكن الخاسر الحقيقي هو الشعب، أكان واعياً لهذه الحقيقة أم لا، فالدم هو دمه والمعاناة هي معاناته وهو دائماً الحلقة الأضعف التي يمكن الإستغناء عنها، علماً ان المسؤولين يرفعون شعار القتال في سبيل المواطن. واللافت هو أنّ قضية انفجار المرفأ تحوّلت بسحر ساحر الى قضيّة انتخابات نيّابية، بمباركة وموافقة الخارج.

-الحكومة الرهينة: لم تنجح الحكومة في الثبات أمام أوّل امتحان جدّي واجهته. صحيح أنّه صعب جداً وبالغ الدّقة، إلاّأنه لو كانتتتمتع بالفعل بالصفات التي رُفعت في اليومين الاولين من تظاهرات 17 تشرين الاول 2019، لكانت قادرة على قلب الامور رأساً على عقب، بينما نراها اليوم رهينة من وافق على تشكيلها ومن لم يوافق، وتبيّن أنّ مسألة الثلث الضامن كانت مجرد إلهاء، لأنّ الامر لا يحتاج الى اكثر من 3 الى 4 وزراء كي تتوقف محرّكات الحكومة التي يدعمها الجميع وتحظى بتأييد خارجي لافت، والمعوّل عليها لاتّخاذ الخطوات الكفيلة بانقاذ البلد!.

ومما تقدم، يتبيّن ان لبنان يترنح وان النفق الذي تم ادخاله فيه، طويل جداً ولا يريد الكثيرون ان ينتهي قريباً، كل وفق مصلحته واهدافه، ما يهدّد جدياً هذه المرة وليس بالكلام فقط، في أن يفقد هذا البلد هويّته وصورته ومستقبله.