قد تكون الرسالة الأبرز من خطاب أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصر الله​، انطلاقاً من قراءة الحزب إلى المسار الذي أوصل إلى حادثة الطيونة، هو السعي إلى فرض معادلة ردعية في الداخل، عنوانها الأساسي، بحسب ما أعلن، منع الحرب الأهلية.

هذا المسار، سعى السيد نصر الله إلى توصيفه بشكل دقيق قبل الإعلان عن هذه المعادلة، التي تخص حزب "القوات اللبنانية" بشكل رئيسي، من خلال الإعلان عن عدد الهيكل العسكري الخاص بالحزب (100 ألف مقاتل)، كي يؤكد له أن المعركة التي سيخوضها ستكون خسارة بكافة المقاييس.

هذه المعادلة الردعية، التي جاءت بعد سلسلة من الأحداث الأمنية التي كانت قد شهدتها البلاد في الفترة الماضية، السبب الجوهري في الاضطرار إلى وضعها، اعتبار "حزب الله" أن ما حصل في الطيونة هو جزء من مسار عام لم ينته، حيث المطلوب جره إلى الاقتتال الداخلي بأي وسيلة، بقرار دولي واقليمي.

أساس هذا المشروع ليس الهدف منه الجرّ إلى الاقتتال مع حزب أو فريق سياسي محلي، بل مع ​الجيش اللبناني​، وهو ما كان قد ألمح إليه السيد نصر الله لدى تطرقه إلى الفيديوهات التي انتشرت عن إطلاق أحد العناصر النار باتجاه المتظاهرين، حيث كان من الواضح أن المعادلة، في التعامل مع هذه الحادثة مختلفة، من خلال التأكيد على أن ​المؤسسة العسكرية​، بالرغم مما حصل، هي الضمانة الوحيدة لوحدة لبنان.

في مقابل هذه المعادلة الردعية، خصص أمين عام "حزب الله" القسم الأكبر من الخطاب، أكثر من ساعة، لمخاطبة الرأي العام المسيحي، بهدف عزل الحالة التي يمثلها "القوات" أو إسقاط الشعارات التي يحملها، من خلال نفي السرديّة التي يتبنّاها الأخير منذ سنوات، حيث كان التركيز على نفي نظريّة أن "حزب الله" هو عدوّ لهذا الراي العام، لا بل ذهب بعيداً في التأكيد على أن السياسة التي يعتمدها "القوات" تمثّل التهديد الأول لهذا الرأي العام.

هذا الواقع، سعى السيد نصر الله إلى نفيه من خلال مجموعة من الأمثلة التي قدّمها، بالإضافة إلى التأكيد على أنّ الشيعة يرفضون المثالثة في لبنان، لا بل وافقوا على قانون الستين ومشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي الانتخابي، الذي أسقطه رئيس "القوات" ​سمير جعجع​، ولاحقاً على ​قانون الانتخاب​ الحالي، الذي أقرّ بدعم من "حزب الله" و"حركة أمل"، من دون تجاهل التذكير بدوره في ضمان التمثيل المسيحي الوازن في الحكومات المتعاقبة، وفي انتخاب رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، الذي يمثّل القسم الأكبر من المسيحيين.

في هذا السياق، كان من اللافت أن السيد نصر الله أصرّ على التعامل مع حادثة الطيونة على أساس أنها تختلف عن أيّ أحداث مشابهة، على قاعدة أن "القوات" يمثل "ميليشيا" هدفها جر البلد إلى الحرب الأهليّة، بهدف بناء كانتون مسيحي لا مكان فيه لأي فريق آخر، معتبراً أن من حضّر المسرح لحادثة الطّيونة هو هذه العقليّة، قبل أن يذهب إلى توجيه النصائح، عبر المعادلة الردعيّة، بالتخلّي عن المشروع الذي يحمله الحزب، بالتزامن مع رمي مسؤولية الوقوف بوجه جعجع، الذي وصفه بـ"المجرم" و"القاتل" و"السفاح"، على عاتق ​الدولة اللبنانية​ والمرجعيات، خصوصاً المسيحية منها.

في المحصّلة، هو خطاب أراد من خلاله أمين عام "حزب الله" إرسال رسالتين: الأولى تتعلق بالرأي العام المسيحي، لتفادي استغلاله من قبل "القوات"، من وجهة نظره، أما الثانية فهي فرض معادلة ردعيّة على كل من يفكر في الذهاب إلى الحرب الأهلية، ليبقى السؤال عن كيفيّة التعامل معها من قبل الفريق الآخر، الأمر الذي من المفترض أن يظهر في الساعات المقبلة.