لقد كان مَعروفًا ومُتوقّعًا ومُنتظرًا أنّ إقتراب موعد الإنتخابات النيابيّة سيدفع القوى السياسيّة والحزبيّة المُختلفة في ​لبنان​ إلى تصعيد الأجواء العامة، بهدف شدّ العصب السياسي والطائفي والحزبي، ومُحاولة حشد الناخبين. لكنّ ما حصل خلال الأسابيع والأيّام القليلة الماضية، فاق كل هذه التوقّعات والتحليلات، حيث إنزلق لبنان إلى أجواء توتّر حادّة جدًا وغير مسبوقة، وعادت خُطابات الكراهيّة والتفرقة، بالتزامن مع تفجّر الإحتقان والأحقاد الدفينة بشكل دمويّ في الشارع. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الأجواء، هو: ماذا سيحصل في لبنان بظلّ التصعيد الخطير الحاصل؟.

أمنيًا: من المُستبعد أن تنزلق الأمور إلى مُواجهات قتاليّة بالمعنى العسكري للكلمة، في أيّ بُقعة من لبنان، لأكثر من إعتبار، بدءًا بيقظة الجيش والقوى الأمنيّة اللبنانيّة وسرعة تدخّلها عند حُصول أيّ حدث طارئ، مُرورًا بعدم وُجود قرار بتفجير الوضع أمنيًا، لا على المُستوى الداخلي ولا على المُستوى الخارجي، وُصولاً إلى غياب التوازن في القُدرات العسكريّة وموازين القوى، نتيجة اللاعدالة في السماح لبعض الجماعات بالتسلّح والتدرّب بشكل علني منذ عُقود، بالتزامن مع منع قوى أخرى من حمل مُسدّس منذ إنتهاء الحرب حتى اليوم! لكنّ هذا الأمر لا يعني على الإطلاق إستبعاد إحتمال حُصول صدامات مُتفرّقة ذات طابع أمني، بين الحين والآخر، نتيجة الإحتقان السائد، علمًا أنّ بعض التحليلات لا تستبعد حُصول مُواجهات أمنيّة داميّة عدّة، بشكل مُتعمّد خلال الأشهر القليلة المُقبلة، في حال إتخاذ القرار بتطيير الإنتخابات النيابيّة!.

سياسيًا: من المُتوقّع أن يبلغ الإنقسام السياسي الداخلي ذروته في الأسابيع والأشهر المُقبلة، ويبدو أنّ اللوائح الإنتخابيّة ستتشكّل من أطراف مُشرذمة ومُنقسمة على نفسها، حيث لا عودة في المُستقبل القريب، إلى إنقسامات عاموديّة سابقة بين فريقين ونهجين سياسيّين إستراتيجيّين، ولا إلى محورين إقليميّين ودوليّين مُتنازعين. وكل التفاهمات والإتفاقات الثنائيّة وغير الثنائيّة السابقة، صارت في خبر كان، وما بقي صامدًا منها حتى تاريخه مُرشّح لأن يكون موضع إنتقاد وتهجّم من قبل باقي الخُصوم. وقد نكون خلال الإنتخابات المُقبلة أمام شعارات من نوع "كل مين إيدو إلو"، بحسب القول العاميّ الشائع! والإنقسام المَذكور لن يقتصر على القوى السياسيّة والحزبيّة التقليديّة فحسب، بل سيطال الجماعات والهيئات التي تُصنّف نفسها "ثوريّة" و"تغييريّة"، بسبب الإنقسامات الكبيرة التي لا تزال تطال أيضًا قوى "المُجتمع المدني".

إعلاميًا: الأكيد أنّ المرحلة المُقبلة الفاصلة عن موعد الإستحقاق الإنتخابي المُفترض في ربيع العام 2022، على الرغم من شدّ الحبال الحاصل بشأن الموعد الذي قرّره ​المجلس النيابي​ أمس لعمليّة التصويت، ستشهد تصعيدًا مُنظّمًا للخُطابات السياسيّة والطائفيّة الساخنة، وللتراشق الإعلامي الخالي من الضوابط، ولتبادل الإتهامات في مُختلف القضايا، ولإعادة نبش ملفّات قديمة، وللعب على الوترين المذهبي والحزبي، إلخ. كلّ ذلك بهدف رفع شعارات كبرى في الإنتخابات النيابيّة تُنسي المُواطنين همومهم المعيشيّة والحياتيّة، وتعيدهم إلى قوقعاتهم الطائفيّة والمذهبيّة وحتى الحزبيّة الضيّقة، وتدفعهم إلى تقديم التصويت الغرائزي التقليدي، على منطق التغيير والتقدّم والتطوّر.

قضائيًا: القضيّة الأهم والأبرز، أي قضية ملفّ إنفجار المرفأ ستشهد تراجعًا كبيرًا في زخمها، حيث يُتوقّع أن تغرق هذه القضيّة في الأوحال السياسيّة، ولن يتمّ التوصّل إلى أي نتيجة في التحقيق القضائي قُبيل الإنتخابات، بفعل العقبات التي وُضعت أمام سير التحقيق، وتلك التي تُوضع اليوم، مع توقّع إستمرار هذا النهج في المُستقبل، بفعل تشابك مصلحة أكثر من فريق فاعل، على مُستوى عدم الرغبة في كشف الحقيقة، والإصرار على حماية المُتهمين، كلّ من قبل الجهة المَحسوب عليها.

إقتصاديًا: الآمال التي كانت قد عُقدت على "النفحة الإيجابيّة" التي أعقبت ​تشكيل الحكومة​ الجديدة برئاسة النائب ​نجيب ميقاتي​، سُرعان ما تلاشت وتناثرت، بحيث عاد سعر صرف ​الدولار​ إلى الإرتفاع، بالتزامن مع تفاقم الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة بوجه شرائح واسعة من ​الشعب اللبناني​. والأشهر الباقية من "عُمر" الحكومة التي تتحوّل حُكمًا إلى حكومة تصريف أعمال فور إجراء الإنتخابات النيابيّة، غير كافية لإحداث النقلة المُنتظرة، مع وُجود آمال ضعيفة بأنّ تتمكّن الحكومة خلال الفترة الفاصلة عن الإستحقاق الإنتخابي، من الإسراع في مُحادثاتها مع صُندوق النقد الدَولي، علّها تنتزع وعودًا بحُصول لبنان على دعم مالي مُهمّ في المُستقبل القريب.

حياتيًا: الأزمة المَعيشيّة والحياتيّة الحادة التي يعيشها لبنان مُرشّحة للإستمرار في المدى المَنظور على أقلّ تقدير، حيث أنّ الغلاء الفاحش لأسعار السلع والخدمات، وخُصوصًا للبنزين و​المازوت​ و​الغاز​، بموازاة فُقدان القيمة الشرائيّة للعملة الوطنيّة، قد أغرق أغلبيّة من العائلات اللبنانيّة تحت وطأة الفقر وحتى العوز! ولا إمكانيّة في المُستقبل القريب لمُعالجة هذا الوضع المأساوي بشكل جذري، من دون إستبعاد التمكّن من تمرير بعض المعالجات المَحدودة والجزئيّة، على غرار البطاقة التمويليّة مثلاً، لكنّ هذا الأمر سيطال جزءًا محدودًا من الناس، وسيكون عبارة عن دعم مالي محدود، لا أكثر.

في الخُلاصة، لبنان ليس في أفضل أيّامه على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح. والأخطر أنّ آمال التغيير تتلاشى بسرعة البرق، حيث يبدو أنّ "العدّة" إستكملت لإعادة التجديد للطبقة السياسيّة نفسها التي تحكم لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، مع نائب بالزائد هنا ونائب بالناقص هناك!.