خلال جلسة مجلس النواب الثلاثاء الماضي جرى إدخال مجموعة من التعديلات على القانون الإنتخابي القائم، لا سيّما لجهة تقديم موعد الإنتخابات ورفع السُقوف الماليّة للحملات الإنتخابيّة للمُرشّحين وللوائح، بالتزامن مع إسقاط تعديلات أخرى كان من شأنها تطوير العمليّة الإنتخابيّة ككلّ، الأمر الذي أثار خُصوصًا حفيظة "التيّار الوطني الحُرّ" الذي لوّح رئيسه النائب جبران باسيل بالطعن بالتعديلات أمام المجلس الدُستوري، بالتزامن مع شيُوع معلومات عن أنّ رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون قد لا يُوقّع قانون تقريب موعد الإنتخابات، وأنّه سيردّه إلى المجلس النيابي. وبغضّ النظر عن التاريخ النهائي الذي سترسو عليه الإنتخابات في نهاية المطاف، يُمكن القول إنّ معركتها إنطلقت رسميًا في لبنان. فهل ستجري في الموعد الذي تقرّر، ومن سيكون الخاسر الأكبر؟.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّه في حال قام رئيس الجمهوريّة برد القانون الإنتخابي إلى المجلس النيابي، ضُمن المهل التي يمنحه إيّاها الدُستور، قد يؤخّر مواعيد هذا الإستحقاق الإنتخابي، لكنّه لا يُعطّل الإنتخابات ككلّ وفق ما توافقت عليه أغلبيّة الكتل، لأنّ القانون سيُصبح نافذًا حُكمًا في حال لم يُقرّر مجلس النوّاب عكس ذلك. أمّا في حال نفّذ "التيّار" تهديده برفع دعوى أمام المجلس الدستوري، فإنّ الأمور كلّها تُصبح مفتوحة على كلّ الإحتمالات، بما فيها مصير الإنتخابات بحدّ عينه، لأنّ الطعن بالقانون كما أقرّه المجلس، من شأنه منع إجرائها، قبل أن يكون للدُستوري كلمته الفاصلة.

إشارة إلى أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" كان يأمل المُضيّ قُدمًا بمنح الإغتراب الحقّ بإنتخاب ستة نوّاب، لأنّه يُراهن على أنّه يملك أغلبيّة عدديّة على مُستوى المُغتربين الذين ما زالوا مُنخرطين بالحياة السياسيّة اللبنانيّة من مكان تواجدهم في دول الإغتراب. كما كان "التيّار" يأمل بإقرار مسألة التصويت من أماكن السكن في لبنان، من خلال مراكز إقتراع كبرى (ميغاسنتر)، لأنّه يعتبر أنّ من شأن إبتعاد قرى وبلدات الكثير من الناخبين عن أماكن سكنهم، إضافة إلى إرتفاع كلفة التنقّل بفعل غلاء البنزين، أن ينعكس سلبًا على حماس الكثيرين للمُشاركة في عمليّات التصويت، ما سيُخسّره المزيد من الأصوات. ويعترض "التيّار" أيضًا-وكما بات معروفًا، على الموعد الذي إختير بعد تعديل وُصف بالإستثنائي ولمرّة واحدة، بحجّة أنّ الطقس يُمكن أن يكون عاصفًا في هذا التاريخ ما سينعكس على نسبة التصويت، ناهيك عن أنّ هذا التاريخ يتزامن مع زمن الصوم لدى بعض الطوائف المسيحيّة. وأبعد من هذه الأسباب المُعلنة، يعتبر "التيّار" أنّ تقريب الموعد يعني عمليًا قطع أيّ أمل بأن تتمكّن الحكومة التي ستتحوّل إلى مُستقيلة بُعيد الإنتخابات، من تحقيق أيّ إنجاز مُهم بسبب ضيق الوقت، وبفعل الدُخول عمليًا في زمن التحضير لها، الأمر الذي سينعكس سلبًا على "التيّار" الذي كان يأمل تحقيق "العهد" بعض الإنجازات وتعويض فترات التعطيل السابقة، ولوّ جزئيًا. كما أنّ إنتخاب مجموعة كاملة من النوّاب الجُدد، مع ما قد يحمله هذا الأمر من تغييرات على مُستوى التوازنات السياسيّة الداخليّة، يعني نظريًّا، إنتهاء عهد العماد ميشال عون باكرًا، وفتح بازار الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة قبل أوانها!.

وبالتالي، في حال فشل "التيّار" في تعديل موعد إجراء الإنتخابات، فإنّه لن يكون بموقع المُرتاح تمامًا، لخوضها، خاصة وفق الصيغة النهائية التي خرج المجلس النيابي بها. لكنّ الخاسر الأكبر سيكون "المُجتمع المدني"، لأسباب عدّة. فالقانون النسبي وفق دوائر صغيرة مع صوت تفضيلي واحد، بقي من دون تغيير، كما طالبت هيئات وجمعيّات "الثورة"، الأمر الذي يُضعف حُظوظ الفوز بأعداد كبيرة، بمواجهة الماكينات الحزبيّة المُنظّمة. وعدم إعتماد مراكز الإقتراع الكبرى، وعدم منح النساء "كوتا" ثابتة، وعدم تخصيص المُغتربين بستّة نوّاب لعالم الإغتراب، إلخ. كلّها عوامل لا تصبّ في صالح "المُجتمع المدني" الذي كان يُراهن على تغييرات من شأنها أن تسحب البساط، ولوّ قليلاً، من تحت أرجل اللوائح الحزبيّة التقليديّة. والأهمّ ممّا سبق، أنّ تقديم الموعد، في الوقت الذي لا تزال فيه هيئات وجمعيّات "المُجتمع المدني" مُنقسمة على نفسها، وعاجزة عن تشكيل لوائح موحّدة، يعني عمليًا التوجّه إلى معركة خاسرة سلفًا، ما لم تتسارع الجهود لإصلاح هذا الخلل الجسيم في تنظيم الصُفوف تحضيرًا للإنتخابات التي باتت على الأبواب.

في الخلاصة، لبنان دخل عمليًا مرحلة الإنتخابات، مع ما يعنيه من تجميد لكامل باقي الملفّات. والأكيد أنّ الأجواء صارت مُهيّئة حاليًا للحملات السياسيّة والإعلاميّة المُتبادلة. والأكيد أنّ من شأن عدم توقيع قانون الإنتخابات، وردّه إلى المجلس، وحتى الطعن به أمام المجلس العدلي، أن يرفع من حماوة هذه الحملات إلى أعلى الدرجات. وفي غُضون ذلك، يعيش اللبنانيّون أسوأ أيّام حياتهم... معيشيًا وحياتيًا وإقتصاديًا وماليًا، إلخ. في ظلّ قلق كبير على المُستقبل!.