من الأمور المثيرة للسخرية في لبنان أن يتم تسعير صفيحة البنزين على أساس دولار 20350 ليرة، أو 20 ألف ليرة، فينخفض سعر الصرف في اليوم التالي الى 19500، وما دون، وبذلك يكون الربح الإضافي لكل صفيحة بنزين حوالي 850 ليرة وأكثر، أي هناك سرقة إضافيّة لكل مواطن يشتري المادة، مع العلم أن كل المعطيات تُشير الى أن شراء المحروقات تمّ بدولارات "منصّة صيرفة" التي كانت نهار الأربعاء تحدد الدولار بـ17500.

سرقات تجتمع فوق السرقات، تجعل ملفّ الطاقة في لبنان من أهم ملفّات النصب والسرقة، وهذا الأمر تكرّر مرّات ومرّات منذ بداية الأزمة، مع الإشارة الى أنّه في بدايتها كان هناك إجراءات "توحي" للمواطن أن إدارات الدولة جدية بمنع السرقات، ولكن اليوم لم تعد تقوم حتى بالإيحاءات هذه، فالسرقة باتت "على عينك على تاجر".

قبل إصدار جدول تسعير المحروقات، نهار الأربعاء، بيومين تُقفل المحطات أبوابها أمام اللبنانيين بحجّة عدم وجود بنزين لديها، وهذا أمر يحصل بشكل دائم قبل كل تسعيرة جديدة، دون رقابة على المحطّات التي تُخفي مخزوناً اشترته بسعر وتبيعه بعد إصدار الجدول الجديد بسعر أعلى، وهو ما تقوم به أيضاً الشركات المستوردة للنفط التي تحقق أرباحا خياليّة بكل شحنة تستوردها، وكل ذلك تحت أعين مديرية عامة للنفط تتفرّج.

هذه المرة كانت الزيادة 60 ألف ليرة على كل صفيحة، ولكم أن تحتسبوا الأرباح غير الشرعيّة التي حقّقتها الشركات المستوردة، الموزّعين، وأصحاب المحطّات، دون أن يسأل أحد في هذه الدولة عن مصير اللبنانيين وأموالهم، وما إذا كان بإمكانهم تحمّل كل هذه السرقات الوقحة.

تتساءل مصادر نيابيّة عن سبب تسعير الدولار بسعر السوق السوداء، دون أيّ اعتبار لسعر دولارات المنصّة، مشيرة الى أنّ ما يجري يطرح علامات استفهام كبرى حول عمليّة سرقة منظّمة حصلت، مشدّدة على أن ما يُقال حول هذا الامر لا يعدو كونه حججاً واهية، يعلم مطلقها عدم جدواها.

نعم، يتجّه مصرف لبنان الى وقف بيع الدولارات الى كل المستوردين، لا مستوردي المحروقات فقط، ولكن هل يُعقل التسعير على أساس دولار السوق السوداء قبل اعتماده، ولماذا لم يتم اعتماد سعر الصفيحة بالدولار لكي تتناسب مع سعر الصرف، عندما ينخفض وعندما يرتفع وإلى متى سيبقى سعر صرف الدولار "لعبة" بيد المافيات السّياسية والإقتصاديّة لسرقة أموال الناس؟.

تؤكد المصادر النيابية أن المصرف المركزي ومعه فئة واسعة من السياسيين والإقتصاديين يريد من اللبنانيين صرف دولاراتهم الموجودة في المنازل، والمقدرة اليوم بحوالي 10 مليار دولار، مشيرة الى أن الفترة المقبلة ستشهد بدء استعمال الكثير من هذه الاموال كون الأسعار سترتفع الى مرحلة تجعل المبالغ البسيطة بالدولار التي تأتي من الخارج لا تكفي العائلات، ما يُضطرها الى صرف الدولارات المخزنة في المنازل.

لا احد يعرف كيف تُدار هذه الدولة، ضبابيّة في كلّ القرارات، سذاجة في تصريحات المسؤولين والوزراء، وعود فارغة وكلام أقرب الى الأمنيات، وكما في كل مكان وزمان، سيكون المواطن الخاسر الوحيد.