في وقت تخبط المسؤولون اللبنانيون في دوامة التحقيقات في قضية انفجار ​مرفأ بيروت​ العام الفائت، وفيما يعيش لبنان اوقاتاً بالغة الصعوبة والحرج لمواجهة تداعيات هذه الحادثة المأساوية وكشف ملابساتها، وبينما فرضت مسألة بقاء او تنحي المحقق العدلي في القضية القاضي طارق البيطار نفسها كموضوع رئيسي لاكمال عمل الحكومة ومسار المفاوضات وعودة الهدوء الى الوضع الامني بعد ان ساد شبح الحرب الاهلية منذ اقل من اسبوع وحتى اليوم، في خضم كل ذلك، خرج الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ بتعليق يحمل دلالات عدة، ولكن الاهم فيه الحكم الذي اصدره في الملفّ وخلاصته أنّ الكارثة "كانت مرتبطة برغبة البعض بتحقيق مكاسب ماليّة من خلال بيع الأسمدة بأسعار أفضل". أن يصدر هذا الكلام عن أيّ شخص آخر، لهو امر لا يجدر التوقف عنده، اما ان يصدر عن رئيس دولة عظمى وتحديداً عن بوتين "رجل الاستخبارات" القديم واحد اسباب القلق الدائم للادارة الاميركية، فهو وضع آخر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام.

ان ما قاله بوتين يعني حكماً ان لا اسباب اجرامية ارهابيّة وراء الانفجار، وانّ المصالح الشخصية هي التي أدّت الى هذه المأساة، ما يعني بالتالي ان لا خلفيات دولية وسياسية ودبلوماسية واستخباراتية تقف خلف هذا الانفجار، ويجب عدم التفكير بطبيعة الحال، بأيّ امر يتعلق باسرائيل او بغيرها من الدول واتّهامها بأنها عززت او ساهمت او حرّضت على تعرّض بيروت لهذا الزلزال الرهيب. صك البراءة هذا، صادر عن بوتين نفسه، وليس عن ناطق باسمه او مصدر قريب منه، وبشكل علني، وهذا ان دل على شيء، فعلى ان الرئيس الروسي واثق من وجود احتمالين: الاول هو وجود ما يثير الشك حول تورط جهّات خارجية في المسألة والثقة التامة بأن هذا التورط لن يظهر بأي شكل من الاشكال، والثاني هو ان التحقيقات الجارية لا بد وان تسلك منحى معيناً فقط واسقاط كل المسارات الاخرى، بدليل اعترافه بأن صور الاقمار الصناعية موجودة لدى موسكو وسيتم درس تسليمها اذا كان هناك من حاجة اليها. هذا يعني ان بوتين اطلع بالفعل على هذه الصور ولم يسلّمها لسبب معيّن، خصوصاً مع تنامي الدعوات الرسمية اللبنانية للدول والمسؤولين الدوليين لتسليم هذه الصور الى الجانب اللبناني لتعزيز صحة التحقيقات وتصويب مسارها اذا لزم الامر، الا ان ​روسيا​ امتنعت عن تسليم الصور ولا تزال تعتبر انها غير ضرورية، فإما ان يكون هناك ما يجب التعتيم عليه، او انه بالفعل ليس هناك من معطيات مهمّة في الصور، ولمن هذا يوجب بالفعل تسليمها لطمأنة الخواطر وقطع الشك باليقين بأن كل ما حصل كان عبر الصدفة والاهمال وتحقيق الاموال عن جهل تام بخطورة الموقف. هذا الموقف الصادر عن بوتين لم يساعد في القاء اضواء اضافيّة على ملابسات الانفجار، لكنه قدّم على ما يبدو، مخرجاً ملائماً للازمة عبر التخفيف من وطأتها وفكّ ما قيل عن تشعّباتها الدوليّة، وربما حصر الامر ببعض الاشخاص، ليساهم من حيث يدري او لا يدري ربما في سحب فتيل الازمة المستجدة، وتخفيف حدّة الاستنفار والخطورة لدى كل الاطراف والتي هدّدت باندلاع حرب اهلية عمل الكثيرون فيها على التهدئة كي لا يدفع لبنان بأكمله، ودول المنطقة الثمن غالياً.

ولم يخفِ بوتين نفسه قلقه من هذا الامر، اذ اكد في الوقت نفسه، ان لروسيا مصلحة في استقرار لبنان، ما يعني انّ العمل مباشرة او بطريقة غير مباشرة على حلّ المشاكل الكبيرة التي تلوح في افق سماء لبنان قائم ولا يقتصر فقط على روسيا، بل على كل الدول الكبرى ايضاً.