إعتاد اللبنانيون على خطابات "شد العصب" الطائفي أو المذهبي خلال التحضير للإنتخابات النيابية. كانت تحمل في مضامينها محاولات لتحشيد الجماهير على قاعدة "حقوق الطائفة" أو "حفظ القضية" ومواجهة الآخرين. لكن عناوين الشُغل السياسي تغيّر، نتيجة تبدّل أولويات المواطنين: أظهرت أجوبة عيّنة شعبية في إستطلاع رأي جرى منذ أيام، أن اللبنانيين لا يهتمون لشكل ومضمون الخطاب السياسي، بل هم يريدون الإطمئنان إلى أوضاعهم المعيشيّة، ومعرفة مصير ودائعهم في المصارف، وكيفيّة الموازنة بين الغلاء والرواتب الشهريّة، وتخفيض ساعات التقنين في التيار الكهربائي، وفرض حلول للنقل بعد ارتفاع اسعار المحروقات. تلك هي نماذج من اولويات اللبنانيين.

واذا كان هناك من يعتقد أن حاصل "القوّات" الإنتخابي، مثلاً، سيزداد بعد حادثة الطيّونة فهو مخطئ: لا اهتمامات لأغلبية اللبنانيين بالنزاع السياسي، بل بالعناوين الاقتصادّية والهموم المعيشيّة. ومن هنا فإنّ السحر الذي كان يفرضه خطاب "شدّ العصب" عند الطوائف سقط مدوّياً. لن يستطيع "​التيار الوطني الحر​" ان يستخدم شعار "حقوق المسيحيين" أو "القويّ". وماذا انتجت تلك القوّة؟ هل أمنّت مواطنيّة قادرة ومكتفية للمسيحيين او غيرهم؟.

لن يقدر حزب "القوات" أن يحدّث اللبنانيين عن "القضية": أي قضية؟ وهل هي أهم من سلام واستقرار البلد ومعيشة أهله؟ هل منعت الهجرة؟.

لن يكون بمقدور تيار "المستقبل" أو الحزب "التقدّمي الاشتراكي" أن يجيّشا انصارهما من أجل "مواجهة مشروع ​حزب الله​". سيقولون لهما ان الحزب يُحضر المحروقات الى مناطقنا ويعرض خدماته علينا في عزّ الأزمة. ماذا فعلتم أنتم لمناصريكم وللوطن غير التجييش الشعبوي، والإنسحاب من المسؤولية، والحسابات والرهانات السياسية التي أخطأت كثيراً؟.

لن يستطيع "الثنائي الشيعي" أن يخاطب انصاره فقط بعنوان مقاومة اسرائيل، ولا بإنجازات التحرير ومواجهة الإرهاب التكفيري. لن يكفي ذاك الخطاب، سيقولون للثنائي: ما هي خطّتك للمساهمة في إنقاذ البلد حاضراً ومستقبلاً، خصوصاً أنّ خصوم "الثنائي" يعتبرون انه مسؤول عن كل أزمات لبنان..

لن يكون مُنتجاً خطاب حزب "الكتائب" المبني فقط على اتهام الآخرين بسوء الإدارة، ووجود المؤامرة على لبنان. سيقولون له: ماذا حقّقت أنت يا فتى الكتائب(رئيس الحزب ​سامي الجميل​) للحزب والمواطن والدولة؟ شاركت في السلطة مرّات، وماذا انجزت؟.

لن يكون بمقدور السوريين القوميين الاجتماعيين أن يسوّقوا أيّ عنوان ولا ان يدّعوا السعي لبناء مجتمع عادل، وهم عاجزون عن توحيد صفوفهم في حزب واحد أراده مؤسسه انطون سعادة فاعلاً يتمدّد بعقيدته على مساحة "الأمة".

لن يستطيع تيار "المردة" ان يحاكي الاّ مناطق نفوذه، وماذا سيقول لهم؟ لا يكفي أن يرمي كرة مسؤولية الازمة في ملعب التّيار البرتقالي. سيقول أهالي الشمال لزعيم "المردة": انت شاركت بكل الحكومات.

أمّا "ثوار" المجتمع المدني فلا يعتقدون انهم يشكّلون بديلاً من القوى السياسية في بلد طائفي منذ ولادته. صحيح ان استطلاعات الرأي تؤكد أن ربع الناخبين اللبنانيين يؤيدون وصول "ثوريين" كما أظهر عدد من إستطلاعات الرأي التي أجراها اكثر من مركز دراسات واستطلاعات، لكنّ المؤيدين للمجتمع المدني يريدون لوائح موحّدة بمرشّحين مقتدرين موثوق بهم، من دون ان يشكّلوا رافعات لقوى سياسية تتّخذهم مطيّة للفوز بمقاعد نيابية. لكن الأهم: ما هو خطاب تلك المجموعات؟ لا يكفي السخط على السلطة. لا يريد الناس لعن الظلام، بل إضاءة شمعة. وهل يُجمع المؤيدون للتغيير على خطاب "الثوريين"؟ ما يظهر لغاية الآن الاّ وجود لاتفاق ولا خريطة عمل وطنيّة نبيلة الهدف عند تلك المجموعات، تحقق ازدهاراً معيشياً بعد فقر وعوز.

كل ذلك يعني أن القوى السياسية و"الثوريين" امام امتحان الخطاب الانتخابي والفعل السياسي والاقتصادي. لم يعد "شد العصب" التقليدي فعّالاً. ابحثوا عن بدائل في الشكل والجوهر لمرشحيكم وبرامجكم وقضاياكم.