منذ توقيع "ورقة التفاهم" بين "حزب الله" و"التيّار الوطني الحُرّ" في شباط 2006 حتى اليوم، أبقى الطرفان علاقتهما الثنائيّة بمنأى عن تجاذبات "حركة أمل" و"التيّار الوطني الحُرّ". وكان كلّ من "التيّار" و"الحركة" يتعاملان مع بعضهما مُرغمين، تحت عنوان "حليف الحليف". لكنّ التوتّر بينهما بلغ أخيرًا سقفًا مُرتفعًا جدًا، بسبب التباينات والخلافات الكبيرة بينهما، وذلك عشيّة مجموعة كبيرة من الإستحقاقات المُهمّة الداهمة، بشكل بات يُهدّد العلاقة بين "الحزب" و"التيّار". وهناك من يقول إنّ محطّة الإنتخابات الرئاسيّة قد تُشكّل التاريخ الذي سيُصبح فيه تفاهم "مار مخايل" في خبر كان! فهل هذا صحيح؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ الغُبار الكثيف الذي تصاعد ولا يزال بشأن تحقيقات إنفجار المرفأ، زاد حدّة الخلاف بين "التيّار" و"الحركة"، وجرى تسريب إتهامات من تحت الطاولة وجّهتها "الحركة" ضُدّ "التيّار"، بأنّ العهد الرئاسي يُحاول تصفية الحسابات معها من خلال إستدعاءات المُحقّق العدلي طارق البيطار التي طالت العديد من مسؤولي "أمل" من ضُمن مُجمل المَطلوبين، بالتزامن مع تأمين الحماية القانونيّة لمسؤولين آخرين محسوبين على "التيّار".

وفي قضيّة "أحداث الطيّونة"، نُقل عن العديد من مسؤولي "التيّار الوطني الحُرّ" إعتبارهم أنّ ما حصل كان بتواطؤ ضُمني بين "حركة أمل" وحزب "القوات اللبنانيّة"، لتحقيق أكثر من هدف دُفعة واحدة. حتى أنّ ما أشيع عن تسوية جرى التوافق عليها أخيرًا، لإعادة تفعيل العمل الحُكومي، ولطيّ صفحة بعض الإستدعاءات القضائيّة، كانت محلّ "إطلاق نار" سياسي وإعلامي من جانب "التيّار"، بحجّة أنّ هذه "الطبخة" هي من تحضير رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، وتهدف إلى الإلتفاف على التحقيقات.

والعلاقة السيّئة بين "أمل" و"التيّار" والتي تشوبها إتهامات بالفساد وتهجّمات إعلاميّة مَفتوحة، ترتكز خُصوصًا إلى تخوّف هذا الأخير من تحضير "الحركة" الأرضيّة اللازمة لإنتخاب النائب سليمان فرنجيّة رئيسًا للجمهوريّة، بالتعاون مع قوى سياسيّة عدّة تتجاوز تلك المَحسوبة على "محور المُمانعة"، وتشمل "تيّار المُستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" وغيرهما.

من جهة أخرى، وبحسب العديد من التسريبات، إنّ "حركة أمل" سترفض في الإنتخابات المُقبلة التموضع على اللوائح نفسها مع "التيّار"، كما حصل في أكثر من دائرة خلال الإنتخابات النيابيّة الماضية. ومن شأن هذا الأمر–في حال حُصوله فعلاً، أن يُهدّد مصير نوّاب "التيّار" في دوائر حسّاسة عدّة، منها دائرة "بيروت الثانية" ودائرة "البقاع الثانية" على سبيل المثال لا الحصر، وأن يُضعف الحاصل الإنتخابي العام للوائح "التيّار" في دوائر أخرى، منها مثلاً دائرة "جبل لبنان الثالثة"، إلخ.

وكل ما سبق يُمكن أن يمرّ بحكم التعايش الإلزامي الذي كان قائمًا بين الطرفين منذ العام 2006 حتى اليوم، بفعل عمل الحليف المُشترك أي "حزب الله" على رأب الصدع بينهما. لكن في الآونة الأخيرة، باتت العلاقة بين "التيّار" و"الحزب" محطّ تساؤلات عدّة، في ظلّ إتهامات من "أمل" ضُدّ "التيّار" بسعيه الدائم لدقّ إسفين بينها وبين "الحزب"، ومن "التيّار" ضُد "الحركة" بسعيها لتأليب "الحزب" عليه. ومن ضُمن المُفارقات اللافتة أنّ "حزب الله" تموضع كليًا إلى جانب "الحركة" في المعركة الرامية إلى "تطيير" المُحقّق العدلي طارق البيطار من موقعه، وهما قاما معًا بتعطيل جلسات مجلس الوزراء لهذا الغرض، وتكاتفا جنبًا إلى جنب في التصويت في مجلس النواب على مشروع قانون الإنتخاب وتعديلاته، مع تسجيل "الحزب" بعض التمايز الشكلي الذي لم يُغيّر بالنتيجة العامة، الأمر الذي ألحق أضرارًا معنويّة كبيرة بالعهد الرئاسي، وبمشاريع "التيّار".

وكان لافتًا أيضًا أنّ أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، حرص في الماضي القريب على توجيه التحيّة للنائب سليمان فرنجيّة وعلى الحديث عن وفائه، من خارج سياق مُحتوى خُطابه، الأمر الذي إعتبره البعض رسالة دعم "رئاسيّة" للزعيم الزغرتاوي، في حين فسّرها البعض الآخر، رسالة تنبيه مُوجّهة إلى رئيس "التيّار الوطني الحُر" جبران باسيل، بأنّ دعمه من جانب "الحزب" ليس مُطلقًا ولا مجانيًا.

في الختام، قد يكون بإمكان "حزب الله" تمرير الإستحقاق النيابي بأقل أضرار مُمكنة على تحالفه مع "التيّار الوطني الحُر"، في ظلّ الخلاف المُستحكم بين "التيّار" و"الحركة"، بحيث يدعم مُناصرو "الحزب" مُرشّحو "التيّار" في بعض الدوائر، ويُحجمون عن ذلك في دوائر أخرى، لإيجاد تسوية وسطيّة تُحافظ على متانة "الثنائي الشيعي" من جهة، وعلى تفاهم "مار مخايل" من جهة أخرى. لكن عندما سيحين موعد الإستحقاق الرئاسي المُقبل، لن يكون اللون الرمادي قابلاً للحياة، حيث سيكون "حزب الله" مُضطرًا للإختيار بين "الأسود" و"الأبيض" في علاقته مع "التيّار"، فإمّا تبنّي المُرشّح الرئاسي الذي سيختاره "التيّار الوطني الحُر"، وإمّا تبنّي المُرشّح الذي يعمل رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي على إيصاله إلى قصر بعبدا، وعندها سيكون تفاهم "مار مخايل" مُهدّدًا جديًا بالتأكيد!.