زاويتي لهذا الأسبوع كانت مخصصة لتسليط الضوء على حدث إقدام «جلعاد اردام» مندوب العدو الصهيوني في الأمم المتحدة على تمزيق التقرير السنوي المقدم من مجلس حقوق الإنسان بسبب تضمين التقرير إدانة واضحة لممارسات العدو الصهيوني من ترهيب وإجرام وقتل متعمد ضد الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بيد أن الحدث الذي قفز إلى واجهة الاهتمام هو إقدام المملكة العربية ​السعودية​ على تفجير أزمة دبلوماسية واقتصادية مع لبنان قضت باستدعاء السفير السعودي من لبنان وإعطاء سفير لبنان مهلة 48 ساعة لمغادرة الرياض، إضافة إلى قرار سعودي بمنع استيراد كل المنتجات اللبنانية.

إذاً، المملكة العربية السعودية قررت معاقبة لبنان بعدما ربطت قرارها احتجاجاً على ما قاله الإعلامي «جورج قرداحي» ضمن مقابلة تلفزيونية واصفاً الحرب السعودية على ​اليمن​ «بالحرب العبثية» وذلك قبل شهرين من توليه منصب وزير الإعلام في ​الحكومة اللبنانية​.

تضامن دول مجلس التعاون الخليجي مع الموقف السعودي أمر طبيعي نظراً لما تمثله المملكة السعودية من ثقل على المستوى الخليجي، فما كان من دولة ​الإمارات​ و​البحرين​ وقطر و​الكويت​ إلا أن يحذوا حذو السعودية بسحب سفرائهم وطرد سفراء لبنان في تلك الدول باستثناء ​سلطنة عمان​ التي دعت للحوار.

من يعتقد أن القرار السعودي سببه تصريح لإعلامي وصف الحرب السعودية على اليمن بالعبثية فهو واهم، وبالعودة للتاريخ نسجل بأن جو بايدن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية مع وزير خارجيته أنطوني بلينكن والرئيس السابق دونالد ترامب مع وزير خارجيته مايك بامبيو والأسبق باراك أوباما مع وزير خارجيته جون كيري، جميعهم وصفوا الحرب السعودية على اليمن بالحرب العبثية ودعوا إلى وجوب وقفها بكل السبل لأنها خلفت مأساة إنسانية لا توصف، ومع ذلك لم تشهد العلاقات السعودية الأميركية أي توتر أو لجوء السعودية إلى سحب سفيرها من واشنطن وطرد السفير الأميركي من السعودية.

وللتاريخ أيضاً فإن شخصيات سياسية لبنانية عده تكن للسعودية كل الود والاحترام اشتهرت بحرصها على العلاقة الجيدة معها مثل دولة الرئيس ​نبيه بري​ ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ وغيرهم كثر سبق لهم أن وصفوا الحرب السعودية على اليمن بالعبثية، بل إنهم وصفوا الشعب اليمني بالمظلوم ودعوا إلى وقف المأساة الإنسانية في اليمن ومع ذلك لم نشهد هذه الانتفاضة السعودية على لبنان ولم نشهد هذا العقاب السعودي الظالم.

وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان وفي ثلاث مقابلات تلفزيونية متتالية أفصح عن حقيقة الموقف السعودي من لبنان وما هو مضمر سعودياً لهذا البلد الممزق بأزماته الطائفية والمنهك اقتصادياً حيث قال: إن موقف السعودية من لبنان لا يحدده تصريح لإعلامي ولا استقالة وزير من الحكومة، وكان صريحاً بالقول: «إن المشكلة الرئيسية مع لبنان هي هيمنة ​حزب الله​ على لبنان».

إذاً، مشكلة السعودية مع لبنان هي حزب الله نظراً إلى تعاظم دوره المحوري والمؤثر ليس في لبنان وحسب بل في الإقليم في وقت تتداخل فيه المصالح الدولية والإقليمية لإعادة رسم خرائط التحالفات وتحديد نفوذ الدول في المنطقة وخصوصاً بعد انكفاء الولايات المتحدة الذي جعل حلفاءها عراة من دون أي غطاء.

الاعتقاد السعودي الراسخ أن الأمن السعودي بات مهدداً ليس من جهة اليمن والحوثيين إنما من جهة حزب الله اللبناني والسبب لأن حزب الله بات المهدد الرئيسي للعدو الإسرائيلي ولأن حزب الله يرفض التطبيع مع العدو ويدعم المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولأن حزب الله دافع عن قلب العروبة سورية وأفشل المشروع السعودي لإسقاط سورية، ولأن حزب الله يؤيد الحوثيين في دفاعهم عن أنفسهم.

صحيح أن حزب الله مكون لبناني قوي واسع التأييد لكنه ليس كل لبنان ولو كان كذلك لكان حلفاء السعودية في لبنان قد بادروا إلى طلب اللجوء للسعودية منذ زمن.

السعودية لم تحسن قراءة الواقع اللبناني متخذة منحى مؤججاً للصراعات الطائفية ظناً منها أن ما عجزت عن تحقيقه في اليمن أو عبر محادثاتها مع إيران يمكنها تحقيقه من خلال حلفائها في لبنان ولو خلّف ذلك كوارث وحروباً طائفية.

المجاهرة بمناهضة السعودية لحزب الله ليست المرة الأولى، فالخارجية السعودية سبق أن أطلقت تصريحها الشهير الذي أدان فعل المقاومة ضد العدوان الصهيوني على لبنان في 2006 واصفاً تضحيات الحزب ودفاعه عن لبنان بالمغامرة غير المحسوبة.

للتذكير فقط فإن السعودية رفضت طلب العديد من الشخصيات اللبنانية عدم التخلي عن لبنان وهي التي أبلغت زوارها بأنها قررت نسيان لبنان نهائياً وأن لبنان لم يعد على جدول اهتمامات السعودية لا من قريب ولا من بعيد.

أليست السعودية هي التي قررت فرط تحالفاتها مع تيارات سياسية لبنانية عرفت تاريخياً بولائها للسعودية وحصر تحالفها مع قاتل الرئيس رشيد كرامي وبوكالة سعودية حصرية فقط بغرض خوض حرب عبثية مع حزب الله في لبنان.

أليست السعودية هي التي أقفلت أبوابها بوجه رؤساء الحكومة اللبنانية وتمنعت عن استقبال أي منهم.

أليست السعودية هي التي أدارت ظهرها لمساعدة لبنان وإنقاذ شعبه من كبوة الانهيار الاقتصادي وتركه لمصيره المجهول.

إن بدعة هيمنة حزب الله على لبنان ما هي إلا تأشيرة تسوغ معاقبة لبنان وشعبه وبقرار سعودي مسبق، فالحزب الذي حاز على تأييد واحترام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصفه مكوناً لبنانياً مهماً لا يمكن أن يكون مهيمناً على لبنان بل إن وصف الرئيس الروسي له دلالة بأن الحزب جزء من مكونات لبنان يتمتع بتأييد شعبي كبير.

مع اقتراب إعلان انتصار سورية على المؤامرة الكونية وفي وقت تستعد فيه الدول لتحديد خسائرها في المنطقة بعد المتغيرات الحاصلة قررت السعودية تحميل لبنان وزر خسائرها في كل من سورية واليمن.

السعودية قررت ترهيب لبنان بأمنه وباقتصاده وتنكرت للبنان ولشعبه وتعاملت مع لبنان واللبنانيين بدونية مرفوضة وبإذلال مقصود.

نقول:

إن المملكة السعودية يمكنها منعنا عن أداء الحج والعمرة، يمكنها طرد السفير اللبناني واللبنانيين، يمكنها خنقنا اقتصادياً، يمكنها سحب ودائعها المالية، يمكنها وقف الرحلات الجوية، يمكنها وقف كل استثماراتها في لبنان، يمكنها منع استيراد المنتجات اللبنانية وممارسة شتى أنواع الضغوط علينا وهذا شأنها، لكن ليكن معلوماً أننا قوم قررنا أن نورث أجيالنا كرامة إنسانية عالية وكرامة وطن اسمه لبنان.

نختم بالقول:

يمكنكم بأموالكم شراء النجوم والفضاء لكن إلا كرامتنا لأنها رصيدنا ورصيد أجيالنا ولأنها كرامة وطن، مقدسه لا تقدر بثمن.