"الحكومة باقية بقرار أميركي- فرنسي"... هذا هو العنوان الأبرز منذ بداية الأزمة الدبلوماسية مع بعض الدول الخليجيّة، حيث تدخّلت واشنطن وباريس لمنع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من الإستقالة، في ظلّ تمسك وزير الإعلام جورج قرداحي الرافض لطرح أن يبادر هو إلى هذه الخطوة، بالرغم من الضغوط الكبيرة التي تصبّ في هذا الإتجاه، لا سيّما من قبل زملاء له في الحكومة.

في المقابل، لا يبدو أنّ السعودية في طور التراجع عن الخطوات التي أقدمت عليها، لا بل هناك مؤشرات إلى إمكانيّة أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في الفترة المقبلة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن إمكانيّة أن تبقى حكومة ميقاتي الثالثة صامدة في وجه هذه الهجمة، في حين هي كانت عاجزة عن الإجتماع قبل ذلك.

في هذا السياق، توضح مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، أن رئيس الحكومة كان يدرك منذ البداية أن حكومته قائمة على أساس الدعم الأميركي الفرنسي، الذي تقاطع في مرحلة ما مع رغبة إيرانيّة في ولادتها، في حين أن الموقف السعودي منها سلبي، نظراً إلى أن أولوية الرياض في مكان آخر، إلا أنّه حرص، منذ اليوم الأول، على توجيه الرسائل الإيجابيّة نحوها، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى تليين موقفها في المستقبل.

بعد أزمة تصريحات قرداحي، ترى المصادر نفسها أنه بات على ميقاتي أن يعيد حساباته جيداً، نظراً إلى أن ما يحصل يأتي في لحظة داخلية وإقليمية حسّاسة جداً، وبالتالي لا يمكن له الذهاب إلى أي خطوة غير محسوبة النتائح، سواء بالنسبة للبقاء في موقعه أو تقديم إستقالته، حيث أن الرياض لن تنسى له معارضة سياستها في المستقبل، في حين أنّ الأفرقاء الآخرين، الرافضين لسياسة الإستسلام أمام الضغوط، لن يتغاضوا له أيضاً عن إستقالته في حال أقدم على ذلك.

هنا، تعتبر هذه المصادر أن رئيس الحكومة في موقف لا يحسد عليه، حيث لن يكون بمقدوره، بعد عودته إلى لبنان، أن يبقى في موقع المتفرج الذي ينتظر ما ستفسر عنه نتائج الإتصالات، التي تقوم بها العديد من الجهات الإقليمية والدولية، بل عليه هو بنفسه أن يذهب إلى مبادرة على هذا الصعيد، ربما تكون رفع مستوى الضغوط التي يمارسها لدفع وزير الإعلام إلى الإستقالة، بالرغم من أن هذا الخيار قد لا يؤدّي إلى معالجة أساس الأزمة.

في هذا الإطار، تطرح المصادر السياسية المطلعة مجموعة من السيناريوهات التي قد تزيد من تعقيد الأزمة، أبرزها أن يبادر عدد من الوزراء، المقربين من تيار "المستقبل" أو "الحزب التقدمي الإشتراكي"، إلى تقديم إستقالتهم من الحكومة، الأمر الذي سيكون له تداعياته الكبيرة على التوازنات داخل الحكومة التي إحتاجت إلى أكثر من عام لبلورتها، لكن الأهم هو أنها ستزيد من إحراج ميقاتي نفسه، الذي لن يكون قادراً على الصمود في وجه هذه العاصفة وحيداً.

بالنسبة إلى هذه المصادر، النقطة الأهم، بالنسبة إلى رئيس الحكومة، تكمن بأن الإنتخابات النيابية على الأبواب، وبالتالي قراره لا يمكن أن ينفصل عن هذا الإستحقاق بأيّ شكل من الأشكال، لا سيما إذا ما كان يفكر في الترشّح، الأمر الذي يتجنّب الإفصاح عنه منذ تكليفه تشكيل الحكومة، حيث كان يُصر دائماً على التأكيد بأنه سيعلن موقفه في الوقت المناسب، وتسأل: "هل يمكن تصور خوض رئيس الحكومة المعركة من موقعه في ظلّ هذه الأزمة مع الرياض"؟.

في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأن ميقاتي لن يكون قادراً على البقاء في موقعه، في حال لم تتمّ معالجته هذه الأزمة في وقت قريب، نظراً إلى أن الدعم الفرنسي-الأميركي لن يكون كافياً له، في حال حصول الإنتخابات، لأنّ التحريض ضدّه داخل بيئته سيتصاعد يوماً بعد آخر، خصوصاً إذا ما قرر "المستقبل" الخروج من الحكومة ورفع الغطاء عنها.