اتى تغيير رئيس الجمهورية العماد ميشال عون رأيه في المشاركة في قمة غلاسكو المناخية، في توقيت ممتاز بالنسبة الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي وجد نفسه في موقف حرج جداً بفعل تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي، وردّة الفعل المفرطة التي قامت بها السعوديّة و"جرّت" معها البحرين والامارات والكويت... ميقاتي كسب ورقة ايجابيّة تمثلت في اظهاره العنصر النشيط في اثارة الموقف اللبناني مع زعماء العالم اجمع، وطغى بذلك على أي تحرك قد يقوم به عون في هذا المجال، أي أنه بمعنى آخر، سرق الانظار في القمة من وجهة النظر اللبنانيّة، وقام بما لم يكن باستطاعة عون القيام به، ليس من الناحية السياسية والمعنوية، بل من الناحية العمليّة لأنّ حكومة ميقاتي اتت بمظلة فرنسية-أميركية ودوليّة وهو امر لا يتمتع به عون للاسباب المعروفة. صحيح أن العالم لم يقاطع عون، ولا يزال يتعامل معه على انه رئيس الجمهورية على عكس ما ينادي به البعض في لبنان، ولكنه لا يحظى بالدعم المتوفّر لميقاتي الذي يسير حالياً على الخطى الموضوعة له من قبل الغرب وهو ما يمنع حالياً سقوط الحكومة او استقالتها.

وعلى خط آخر، هناك سلبيّة في التحرك الميقاتي، تتمثل في الصراع السعودي-الاميركي من جهة، والضغط الداخلي السنّي من جهة ثانية. فعلى الخط الاول، استعان ميقاتي بأكثر من "صديق" ليربح المليون، والمليون في هذه الحالة هو الجائزة الكبرى التي يريدها أي أن تقلع الحكومة وتبدأ في اعطاء شيء ملموس الى الناس تخفف فيه من حدّة المعارضة لها، وتؤسّس لبعض عوامل الثّقة بها. هذه الاستعانة من المرجح الا تتأخر نتائجها بالظهور، سلباً او ايجاباً، وترتبط بمدى التجاوب الاميركي مع الصرخة السعوديّة بالاستماع اليها والانفتاح على قيادتها التي لا تزال على لائحة الانتظار في برنامج الرئيس الاميركي جو بايدن، حيث لم يسجل بعد أي اتصال مباشر بين ساكن البيت الابيض وولي العهد السعودي الذي اعتاد على "معاملة خاصة" خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي انقذه من مآزق كثيرة، لعل اهمها مسألة قتل الصحافي جمال الخاشقجي والاتهامات التي وجّهت الى الامير السعودي بمسؤوليته عنها، اضافة الى سماح بايدن بنشر وثائق سرية عن العملية الارهابية في 11 ايلول 2001. ولم تكن الذرائع التي اعطيت من قبل السعودية بالنسبة الى هدف الضغط على حزب الله ناجحة، لأسباب عدّة ومنها على سبيل المثال الاستمرار في اجراء المفاوضات مع ايران الداعم الاساسي للحزب.

اما على الخط الثاني، في انتظار ما ستسفر عنه الاتصالات والمشاورات لمعرفة ما ستؤول اليه الاوضاع الداخلية، وخصوصاً على الخط السنّي، الذي من شأنه ان يشكل عامل ضغط كبير على ميقاتي، لانه في لبنان لا يمكن للمسؤول ان يخرج عن طائفته والا يصبح معزولاً، وهو ما اختبره كثيرون وآخرهم رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، الذي ذاق الامرّين قبل ان يحظى برضى الطائفة وما تؤمّنه من منافع. ويخشى ميقاتي من ان يجد نفسه في مواجهة مع طائفته، لانه امر لا يقوى على احتماله، وبالاخص اذا ما كانت الانتخابات النيابية لا تزال قائمة بالفعل في مواعيدها، لانه يعني تكتّل الشخصيات السنّية ضدّه فيصبح الحلقة الاضعف، وهو ما لا يجب ان يحصل لرئيس حكومة فعلي. لذلك نادى واستغاث بالاصدقاء ليجدوا حلاً للمشكلة السعودية المستجدة، كي يمكنه مواصلة ما اتّفق به مع الدول الخارجيّة وخصوصاً منها الغربيّة، ويصل الى الهدف المنشود بإرضاء الجميع في الداخل والخارج على حدّ سواء، وفق النسب التي ستتضح اكثر واكثر بعد الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها.