من المُرتقب أن يتقدّم "تكتّل لبنان القوي" أمام المجلس الدُستوري خلال الأسبوع الحالي أو مطلع الأسبوع المُقبل على أبعد تقدير، بمُراجعة طعن بالقانون الإنتخابي الذي صار نافذًا على الرغم من رفض رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون التوقيع عليه. ومُن المُتوقّع أيضًا أن يُبطل المجلس الدُستوري القانون المَذكور، بسبب ما تضمّنه من مُخالفات دُستوريّة جرى الإلتفاف عليها وتجاوزها بأساليب غير مَحميّة بالقانون. فهل ستطير الإنتخابات التي حُدّد تاريخها في 27 آذار المُقبل؟.

الطعن الذي ينوي "التيّار الوطني الحُرّ" تقديمه سيستند إلى ثغرات عدّة شابت التعديلات الأخيرة التي لحقت بالقانون الإنتخابي النافذ، لا سيّما لجهة التصويت بأكثريّة عدديّة حُضوريّة مُغايرة لتلك التي يُحدّدها الدُستور بخمسة وستّين نائبًا، ولجهة تقديم موعد الإنتخابات بدون سبب وجيه، الأمر الذي سيحرم نظريًا أكثر من عشرة آلاف ناخب حق الإقتراع بسبب عدمتضمّن لوائح الشطب أسماءهم، إضافة إلى إحتمال تعثّر العديد من الناخبين في الوُصول إلى مراكز الإقتراع في حال كان الجوّ عاصفًا، وكذلك لجهة عدم الأخذ بمطلب تخصيص المُغتربين بستة مقاعد نيابيّة، ولجهة رفض إعتماد "البطاقة المُمغنطة" ومراكز التصويت المركزيّة الضخمة (ميغا سانتر)، ولغيرها من الأسباب. وبالتالي، ما لم يعمد أعضاء من المجلس الدُستوري إلى عدم تأمين نصاب إنعقاد المجلس، من المُرجّح أن يكون تصويت "الدُستوري" لصالح القبول بالطعن، الأمر الذي سيُعيد الكرة مُجدّدًا إلى مجلس النواب، والأهم أنّ الإنتخابات لن تحصل عندها في 27 آذار، لأنّ الفترة الزمنيّة التي ستستغرقها عمليّة تقديم الطعنودراسته وُصولاً إلى إصدار النتيجة، ستكون كفيلة بمرور المهل الدُستوريّة للتحضير للإنتخابات المُبكرة، ناهيك عن الأسباب المُوجبة لإعادة الإنتخابات إلى موعدها الأساسي قبل التعديلات الأخيرة. إشارة أيضًا إلى أنّه من المُرتقب ألاّ يُوقّع رئيس الجمهوريّة على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للإنتخاب في الموعد المُحدّد في آذار.

وإنطلاقًا ممّا سبَق، السؤال الذي يفرض نفسه يتمثّل في ما سيلي مسألتي تقديم الطعن وقُبوله. وفي حين تنتقد بعض الجهات السياسيّة خُطوة "التيّار الوطني الحُرّ" المُرتقبة، وتعتبر أنّها ستُطيح بالإنتخابات النيابيّة كليًا، يرى المُدافعون عن قرار الطعن أنّ هذا الأمر غير صحيح، حيث أنّ ما يُمكن أن يحصل بعد الطعن هو تأخير الإنتخابات إلى أيّار وليس تطييرها. وبين هذا الرأي وذلك، الأكيد أنّ ولاية المجلس النيابي الحالي تنتهي في 20 أيّار من العام 2022 المُقبل، وليس بسرّ أنّ المجلس النيابي يُعاني حاليًا من نقص عددي تمثّل في إستقالة وفي وفاة ما مجموعه عشرة نوّاب. وبالتالي، ما لم تحصل الإنتخابات يوم الأحد في 15 أيّار أو قبل ذلك، فإنّ الفراغ التشريعي وارد، إلا في حال لجأ المجلس النيابي إلى التمديد لنفسه! من هنا، إنّ تحديد الموعد النهائي للإنتخابات يجب أن يُحسم في القريب العاجل، وإلا لن يكون من المُمكن تنظيم الإنتخابات ضُمن المهل الدُستوريّة المُتبقية.

صحيح أنّ المُجتمع الدَولي يضغط لإجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها، لإعادة إنتاج السُلطة من جديد، لكنّ الأصحّ أنّ المشاكل المُتراكمة في لبنان تُنذر بالأسوأ، والكثير من الأمثلة السابقة غير مُشجّعة. فهل كان يتصوّر أحد أنّ الحكومة الحالية التي جاءت بعد أشهر طويلة من التعطيل، ممنوعة من الإنعقاد ومُهدّدة بالإنهيار في أيّ وقت، بسبب ضُغوط "حزب الله" في ملفّ المُحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وبسبب إرتدادات أزمة تدهور العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج العربي بُعيد تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، ورفض "الحزب" إقالة هذا الأخير من منصبه؟!.

في الختام، لا شكّ أنّ لبنان يعيش حاليًا مرحلة في غاية السواد، حيث إضافة إلى الإنهيار المُتفاقم والمَفتوح على الصعيدين المعيشي والحياتي، بدأت أوجه تفكّك الدولة والمؤسّسات تتصاعد، حيث أنّ السُلطة التنفيذيّة مَشلولة، وإدارات الدولة مُعطّلة، والقضاء محلّ أخذ وردّ وكأنّ القوانين صارت وجهة نظر! والكارثة الكبرى ستكون في حال عدم إجراء الإنتخابات، أو حتى في حال تنظيمها في الربيع المُقبل لكن من دون إحداث التغيير السياسي المنشود بحيث يبقى القديم على قدمه مع بعض الإستثناءات هنا أو هناك!.