أفاد مصدر سياسي مواكب للاتصالات التي يتولاها رئيس الحكومة اللبنانية ‏نجيب ميقاتي لإخراج لبنان من أزمة تصدّع العلاقات اللبنانية - الخليجية لصحيفة " الشرق الأوسط "، إلى أن ‏استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي تبقى الممر الإلزامي الوحيد الواجب ‏اتباعه للدخول في تسويتها على قاعدة تبنّي مجلس الوزراء لخريطة الطريق التي ‏رسمها انطلاقاً من وضع مقاربة شاملة لإعادة تصحيحها وتصويبها بما يضمن ‏عودة لبنان إلى الحضن العربي وابتعاده عن ​سياسة​ المحاور التي يسعى "حزب ‏الله" لجرّه إليها‎.

ونقل المصدر السياسي عن ميقاتي قوله إن الأولوية تكمن في مبادرة ‏قرداحي للاستقالة كخيار أول، وعدم تجاوبه مع الدعوات التي تطالبه بالاستقالة ‏سيضطره للجوء إلى خيار آخر بإقالته من الحكومة. ولفت "الشرق الأوسط" ‏إلى أن رئيس الحكومة لن يلجأ حتى إشعار آخر إلى هذا الخيار وأنه يركّز حالياً ‏على الخيار الأول بدعوته للاستقالة، طالباً منه تقدير المصلحة الوطنية للبنان ‏التي يجب أن تبقى مصانة لأنها فوق أي اعتبار آخر‎.

وأكد المصدر نفسه أن أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية تعود إلى تراكمات ‏بسبب إصرار "حزب الله" على عدم التزامه بالبيانات الوزارية للحكومات ‏المتعاقبة ومضيّه في خرق سياسة النأي بالنفس باستهدافه دول الخليج العربي ‏وعلى رأسها المملكة العربية السعودية لإلحاق لبنان بمحور الممانعة التي ‏تتزعّمه إيران. ورأى بأن إساءة قرداحي لهذه الدول كانت بمثابة عود الثقاب ‏الذي أشعلها وأدى إلى اتخاذ معظمها قرارات بسحب سفرائها من لبنان‎.

واستبعد المصدر السياسي أن يكون ميقاتي في وارد الاستقالة أو بدعوة مجلس ‏الوزراء للانعقاد في حال استمر قرداحي في استعصائه على دعوته بالاستقالة، ‏ونُقل عن ميقاتي قوله: "ليس لأنني لا أريد الاستقالة، لكن هل تتأمّن مصلحة البلد ‏باستقالتي؟ وهل يمكن تأمين البديل؟ أم أننا نُقحم بلدنا في كباش سياسي نعرف من ‏أين يبدأ ولكننا لا يمكن التكهن إلى أين سينتهي؟ وهل يمكننا أن نمنع دخوله في ‏نفق مسدود فيما نسعى لإعادته إلى الخريطة الدولية وقد نجحنا في الحصول على ‏ضمانات لإخراجه من التأزُّم الذي يتخبّط فيه للعبور به إلى الإنقاذ؟‎".

واعتبر أن ميقاتي تلقى كل دعم ومساندة للبنان في اللقاءات التي عقدها على ‏هامش مشاركته في القمة المناخية، وقال إن لدى القيادات التي التقاها رغبة في ‏دفع لبنان قدماً نحو الإنقاذ فيما تحاول بعض الأطراف في الداخل العودة به إلى ‏المربع الأول، أي إلى ما كنا عليه قبل تشكيل الحكومة. وأكد بأن دول الخليج ‏تتساهل في موقفها وأن معظمها تبدي تشدُّداً، وإن كانت لم تعترض على إعطاء ‏رئيس الحكومة فسحة من الوقت وبناء لطلبه لعله يتمكن من استيعاب أسباب ‏الأزمة وتوفير الحلول لها‎.‎

وكشف المصدر نفسه أن ميقاتي وإن كان يعوّل حالياً على الخيار الأول بدعوة ‏قرداحي للاستقالة، فإنه سيضطر في حال عدم تجاوبه إلى اتخاذ موقف آخر، ‏وإن كان يتجنّب الإفصاح عن طبيعته لأنه لا يريد أن يحرق المراحل ويقطع ‏الطريق على الجهود الرامية لإقناعه بضرورة الاستقالة من دون أن تبقى مديدة ‏ومفتوحة لأن عامل الوقت لن يكون لمصلحة إعادة تفعيل العمل الحكومي ولا ‏لفترة السماح التي مُنحت له لأن التفريط فيها سيترتب عليه تشدُّد من قبل دول ‏الخليج وعلى رأسها السعودية التي ستضطر لحماية أمنها القومي وأمن ‏مواطنيها والمقيمين على أرضها إلى اتخاذ رزمة من الإجراءات والتدابير‎.

وتوقف أمام صمت رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدم دخوله في السجال، ‏وقال إن القاسم المشترك الذي يجمعه بالرئيس ميقاتي يكمن في تقطيع مرحلة ‏السجالات والتجاذبات بالصمود من جهة، وبتريُّث الأخير وعدم مبادرته ‏للاستقالة، وقال إن هناك ضرورة لتبريد الرؤوس الحامية إفساحاً في المجال أمام ‏بري للقيام بدور إنقاذي إلى جانب ميقاتي، خصوصاً أنه يرفض أن يكون طرفاً ‏من شأنه أن يعيق تدخّله في الوقت المناسب‎.

وبالنسبة إلى المهمة التي يبدأها اليوم في بيروت نائب الأمين العام لجامعة الدول ‏العربية السفير حسام زكي بحصر لقاءاته بالرؤساء الثلاثة، قال المصدر نفسه ‏بأن مهمته تبقى في إطار استكشاف المواقف على حقيقتها والاستماع إلى ‏وجهات نظر الرؤساء ليبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً أن الأزمة بين لبنان ‏ودول الخليج ليست محصورة بهذه الأطراف جمعاء وإنما لها امتداداتها بداخل ‏الساحة اللبنانية بين فريق يُبدي تفهّماً للأسباب التي أملت على هذه الدول سحب ‏سفرائها من لبنان وآخر يتحمل مسؤولية حيال تدهور العلاقات اللبنانية - ‏الخليجية ويتزعّمه "حزب الله" المدعوم من إيران ولديه أجندة سياسية تتمثل ‏بتمدّده في دول الجوار وصولاً إلى اليمن، وتُحمِّله هذه الدول مسؤولية زعزعة ‏الاستقرار في المنطقة وتهديد أمنها القومي‎.

وشدّد المصدر نفسه على أن دخول الجامعة العربية على خط الأزمة يضع ‏الأطراف المحلية أمام مسؤولياتها في إنضاج مقاربة سياسية لاستيعابها تبدأ ‏باستقالة قرداحي، وأكد بأن المجتمع الدولي قال كلمته بإسداء نصيحة إلى لبنان ‏بوجوب التوجّه لمعالجتها بخطوات عملية تتيح له تقديم المساعدة، وإلا لا جدوى ‏منها ما لم تبادر هذه الأطراف إلى مساعدة نفسها، ورأى أن الحديث عن احتمال ‏قيام دولة قطر بوساطة يبقى في إطار التمنيات ولم يترجم إلى خطوات عملية ولم ‏يعد من رهان إلا على الدور الذي ستلعبه الجامعة العربية‎.

ولفت إلى أنه لا مجال للدخول في مقايضة بين مطالبة "الثنائي الشيعي" بتنحّي ‏المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وبين دعوة ‏قرداحي للاستقالة، وقال إن ميقاتي ليس في هذا الوارد وهو يلقى الدعم من ‏رؤساء الحكومات السابقين، وإن كان وإياهم من أصحاب الدعوة لتصويب ‏مسار التحقيق بالعودة إلى تطبيق الدستور والكف عن الانتقائية والاستنسابية في ‏ادعاءات البيطار على نواب حاليين ووزير سابق‎.

وأكد أن رؤساء الحكومات يتواصلون مع ميقاتي ويرون - كما أبلغوه - أن ‏الوقت غير مناسب الآن للمطالبة باستقالته لعدم فراغ الساحة أمام "حزب الله" ‏وحلفائه، وكشف أن ميقاتي كان أبلغ من تواصل معهم أو التقاهم أنه لا مجال ‏للعبور بلبنان إلى الإنقاذ ما لم يلتزم الوزراء بالبيان الوزاري، وإلا لن يكون في ‏مقدوره أن يكمل طريقه، أي البلد، وهذا ما أُحيط به علماً الرئيس عون و"حزب ‏الله" وآخرون‎.

ورداً على سؤال أكد المصدر أن عون يدعم ميقاتي في مطالبته باستقالة ‏قرداحي، وقال إنه استدعاه وطلب منه أن يتقدّم بها، وأكد أن ميقاتي التقى ‏المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" حسين خليل الذي أبلغه أن الحزب ‏لا يطلب منه الاستقالة أو عدمها ويترك له القرار النهائي "ونحن لن نقف حجر ‏عثرة في حال قرر الاستقالة"، وكذلك الحال بالنسبة إلى زعيم تيار "المردة" ‏النائب السابق سليمان فرنجية الذي تواصل معه ميقاتي قبل أن يلتقي البطريرك ‏الماروني بشارة الراعي‎.

لذلك يصر ميقاتي على إعادة ترتيب البيت اللبناني بدءاً بالحكومة كمدخل ‏لاستيعاب الأزمة اللبنانية - الخليجية لأن علاقة لبنان بدول الخليج تتجاوز الدعم ‏المادي إلى المعنوي الذي يتيح له الاستقواء به دولياً، خصوصاً أن المجتمع ‏الدولي، وهذا ما لمسه ميقاتي في لقاءاته على هامش القمة المناخية، يقف ضد ‏الهبوط الاضطراري للبنان في مستنقع الفتنة أو في العودة إلى نقطة الصفر، ‏وبالتالي ممنوع عليه الارتطام بحائط مسدود سياسياً وصولاً إلى الانهيار الشامل‎.‎