صحيح أنّ عامًا كاملاً لا يزال يفصلنا عن موعد الإنتخابات الرئاسيّة، وبالتالي العديد من المُعطيات والتوازنات والترشيحات قد تتبدّل خلال هذه الفترة، وصحيح أنّ الإنتخابات النيابيّة المُفترضة في ربيع العام 2022 تسبق بدورها الإستحقاق الرئاسي، وبالتالي من شأن نتائجها أن تُرخي بثقلها على هويّة الرئيس المُقبل بالتزامن مع إنعكاسات التسويات والمُفاوضات الخاصة بالشرق الأوسط ككل، وصحيح أنّ مُرشّحي "المُجتمع المدني" يعدون بتحقيق نتائج مفاجِئة ستقلب الطاولة على القوى السياسيّة التقليديّة، لكنّ الأصحّ أنّ المُعطيات الحالية أقفلت الطريق على العديد من المُرشّحين من اليوم. فمن هم هؤلاء؟.

رئيس حزب "القوّات اللبنانيّة" سمير جعجع الذي كان إسمه مَطروحًا للرئاسة في زمن "14 آذار"–ولوّ بشكل نظريّ أكثر منه عملانيّ، لم يعد كذلك بعد تفرّق قوى "14 آذار" وتخاصم جهات واسعة من ضمنها. و"الحكيم" الذي كان ربما يأمل في قرارة نفسه، عندما تبنّت "القوّات" ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، أن يقوم "التيّار الوطني الحُرّ" بالمثل في الدورة التالية، صار مُجدّدًا في موقع الخُصومة الحادة مع "التيّار"، وهو فقد بالتالي كليًا هذه الورقة. حتى أنّ رهان جعجع بأنّ يفرض نفسه مُرشّحًا للرئاسة، في حال فوز "القوّات" بأكبر كتلة نيابيّة في إنتخابات العام 2022، إنطلاقًا من نظريّة "المُرشّح الأقوى ضمن طائفته"، لم يعد قابلاً للتصريف، بعد تدهور العلاقة بين "القوات اللبنانيّة" و"حزب الله" إلى أدنى مُستوى في تاريخها، بحيث أنّ "الحكيم" الذي كان في الأساس مُرشّح تحدٍّ بالنسبة إلى "الحزب"، صار اليوم مُرشّحًا مُعاديًا من وجهة نظر "محور المُمانعة" ككلّ، ما يعني أنّ "حزب الله" سيستخدم كل الوسائل لمنعه من الوُصول إلى الرئاسة.

رئيس "التيّار الوطني الحُر" جبران باسيل الذي كان يصفه مُناصرو "التيّار" بالرئيس المُقبل الذي سيخلف العماد ميشال عون في قصر بعبدا، فقد بدوره العديد من أوراق قُوّته. فهو في موقع خُصومة تتراوح ما بين الخفيفة والشديدة، مع مُختلف القوى المسيحيّة الأساسيّة، مثل "القوات"، "الكتائب" و"المردة"، ومع عدد كبير من النوّاب المسيحيّين المُستقلّين أيضًا. وهو في موقع خُصومة مُستجدّة مع "تيّار المُستقبل" بما يُمثّل في الساحة السنيّة، وفي موقع خُصومة مع رئيس "حركة أمل" نبيه برّي وما يُمثّله من ثقل سياسي داخلي، خاصة عند الأخذ في الإعتبار تحالفاته وتفاهماته مع قوى أخرى مثل "الحزب التقدمي الإشتراكي" وغيره. حتى أنّ العلاقة بين "الوطني الحُرّ" و"حزب الله" التي كان النائب باسيل يُعوّل عليها، ليستفيد من دعم حاسم للوُصول إلى الرئاسة، هي محطّ إستفهام كبير في المرحلة الحالية، بعد تراجع العلاقة بين الطرفين بفعل تراكم العديد من التباينات، ناهيك عمّا سبّبته هذه العلاقة من مشاكل لباسيل شخصيًا مع واشنطن ومع العديد من الدول الغربيّة والعربيّة. وفي مُطلق الأحوال، يُراهن رئيس "التيّار" على أن يفوز في الإنتخابات النيابيّة بأكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة، ليُحاول تكرار "السيناريو" نفسه الذي كان قد أوصل العماد عون إلى الرئاسة، لجهة رفض ترشيح أيّ شخصيّة خارج إرادة "التيّار"، من مُنطلق عدم تهميش الخيار المسيحي، والتعويل على التحالف مع "الحزب" لعدم السماح بعقد أيّ جسلة إنتخاب جديّة.

رئيس "تيّار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية لا يزال يُعوّل من جهته على أن يكون هو هذه المرّة مُرشّح "حزب الله"، مع ما لهذا "الحزب" من مَونة حاسمة على كلّ نوّاب "محور الممانعة"، بالتزامن مع تعويله على دعم أحزاب عدّة له، مثل "حركة أمل" و"تيّار المُستقبل" و"الحزب الإشتراكي"، وُصولاً إلى كتل نيابيّة مُستقلّة مُختلفة في الوسطين المسيحي والمُسلم. وفي حال إفترضنا أنّ الإنتخابات النيابيّة المُقبلة أفرزت مجلسًا مُشابهًا بتوازناته وبتمثيله للمجلس الحالي، ولوّ مع بعض التغييرات هنا أو هناك أو مع فوز بعض مُرشّحي "المُجتمع المدني"، فإنّ المانع الأساسي الذي سيُواجهه فرنجيّة للوُصول إلى الرئاسة يتمثّل في "الفيتو" المُنتظر أن يُرفَع بوجهه من قبل الخصمين اللدودين، أيّ "التيّار الوطني" و"القوات"، بشكل خاص. وفي هذه الحال، ستكون الكلمة الفصل لقرار "حزب الله"، فإمّا يمضي بترشيحه ويضرب عرض الحائط "الميثاقيّة الطائفيّة"، ويتخلّى عن "تفاهم مار مخايل"، وإمّا لا يتبنّى ترشيح النائب فرنجيّة، ويشترط عليه تأمين مُوافقة "الوطني الحُرّ" عليه أوّلاً. إشارة أيضًا إلى أنه من المُمكن تعطيل خيار إنتخاب فرنجيّة رئيسًا، في حال كان عدد نوّاب كل من "التيّار" و"القوات" وبعض المُعارضين الآخرين للزعيم الزغرتاوي، كفيلاً بعدم عقد جلسة الإنتخاب بأغلبيّة الثلثين، شرط أن يلتزم هؤلاء خيار مُقاطعة الجلسة.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي كان إسمه مطروحًا منذ سنوات طويلة للرئاسة، خسر كليًا هذا الإحتمال، بفعل إستفحال الأزمة المعيشيّة–الحياتيّة، وتحميله جزءًا كبيرًا من مسؤولية الإنهيار المالي الذي حصل، وخُصوصًا السطو على أموال المُودعين في المصارف. وما ينطبق على سلامة يشمل العديد من المُرشّحين الآخرين الذين لا يتمتّعون بدعم حزبي مُهم أو بدور فعّال على الساحة الداخليّة، نتيجة الإنقسامات السياسيّة الحادة التي جعلت أيّ مرشّح من هؤلاء، لا يلقى دعم سوى قلّة من النوّاب.

حتى أنّ قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي كان الأوفر حظًّا حتى الأمس القريب، لما للجيش من مكانة مُميّزة في نفوس أغلبيّة اللبنانيّين، ونظرًا للدور الوسطي والإيجابي الذي لعبه قائد الجيش خلال السنوات الماضية التي حملت خضّات أمنيّة وميدانيّة كبرى، تراجعت فرصه نسبيًا، بحسب تسريبات لشخصيّات مَحسوبة على "محور المُمانعة" باتت تعتبره مُرشّحا مدعومًا من واشنطن. وإضافة إلى عقبة مُوافقة "الحزب" التي على القائد جوزاف عون تخطّيها، عليه أيضًا الإستحواذ على تأييد مجموعة وازنة من الكتل النيابيّة، وعليه الإستحواذ على دعم إحدى الكتل المسيحيّة الوازنة على الأقلّ.

في الخلاصة، كلّ المُرشّحين المَطروحين تأثّروا سلبًا بالتطوّرات، ولوّ بنسب مُتفاوتة، حيث أنّ فرص بعض المُرشّحين إنتهت كليًا، بينما فرص مُرشّحين آخرين لا تزال قائمة، خاصة قائد الجيش. ويُمكن القول إنّ المُرشّح الرئاسي الأوفر حظًّا بحسب المُعطيات الحالية، هو "الفراغ الرئاسي"، هذا إذا سلّمنا جدًلاً أنّ الإنتخابات النيابيّة التي ستسبق الإستحقاق الرئاسي، جرت في موعدها أصلاً!.