أشار ​السيد علي فضل الله​، إلى "إننا نشهد في هذه الأيام تداعي واحد من أهم أركان البلد وهو القضاء الذي هو صمام أمان أي بلد، ومرجع لعلاج أي خلافات قد تحصل بين أفراده وجماعاته والسلطات فيه، وبدونه لا يستقيم بلد ولا تتحقق العدالة فيه، وذلك بعد الانقسام الحاد الذي يحصل داخله، لا بفعل تنوع الاجتهادات والآراء الذي من الطبيعي أن يحصل، بل بفعل ما بدا من توزع الولاءات ذات الطابع الطائفي أو السياسي بين مكوناته وخضوعه للضغوطات التي تمارس عليه من قبل من يملكون القرار السياسي أو القرار المالي أو بفعل الإغراءات التي تقدم له، حتى باتت أحكامه وقراراته تمثل وجهات نظر نراها تقبل من هذا الفريق مرة ويدافع عنها، في الوقت الذي يرفضها هو مرة أخرى ويضع علامات الاستفهام عليها".

ولفت فضل الله إلى "إننا نرى بأعيننا مدى التداعيات التي يحدثها التشكيك الحاصل بالقضاء حيث لأجله تتجمد اجتماعات الحكومة أو تنقسم، وقد أدى ذلك كله إلى توترات في الشارع كادت تودي بالسلم الأهلي كالتي حصلت في ​خلدة​ أو ​الطيونة​، أو عدم القدرة على الوصول إلى نتائج حاسمة في قضية المرفأ وغير ذلك من التداعيات التي قد تكون كارثية".

وأكد أنه "من هنا، وأمام كل ما يجري على هذا الصعيد ورأفة باستقرار البلد وأمنه والعدالة فيه، ندعو القوى السياسية والطوائف والمذاهب ومن يملك نفوذاً إلى ترك القضاء بعيداً من أي تدخلات، ففي ذلك خير للجميع وأمان لهم، فمن يملك السطوة والقدرة الآن وهو قادر على التدخل فيه قد يفقدها لاحقاً ويصبح هو عرضة لتدخل الآخرين".

كما دعا القضاة إلى أن "يحرصوا على الموقع الذي تولوا سدته، بأن ينأوا بأنفسهم عن أي تدخلات وضغوط، وأن يكونوا أمناء على العدالة التي أقسموا على حفظها.. إننا نعرف أن الأمر صعب، لا سيما أمام سطوة ال​سياسة​ والطوائف والخطوط الحمراء التي ترسمها، ولكن هذا ما نرجو منكم، أن تكونوا صمام أمان للعدالة لأجلكم ولمجتمعكم وطوائفكم ومذاهبكم".

وشدد على "أهمية الإسراع باستصدار القوانين والتشريعات التي تعين القاضي ليكون نزيهاً وعادلاً وبعيداً من التدخلات، وغير خاضع لسطوة أحد ولا تجعله في لقمة عيشه أو في تدرجه أو في تطوره الوظيفي يقف على باب أحد وهو لن يُعطى إلا بعد أن يُؤخذ منه أغلى ما عنده، وهو كرامته واستقلاله وعدالة السماء والأرض".

وأوضح أنه "في هذا الوقت، يستمر تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي هي هاجس ال​لبنان​يين اليومي ومصدر قلقهم الدائم بفعل استمرار سوء الأداء السياسي والمالي والضغوط التي تمارس على هذا البلد وتؤدي إلى الارتفاع المستمر في صرف الدولار في السوق السوداء، والذي يشكل السبب الأساس في الغلاء الفاحش والمخيف في أسعار السلع والخدمات، والذي لم يعد يقتصر على تهديد الناس في لقمة عيشهم وتنقلهم وقدرتهم على تعليم أولادهم بل وصل إلى حد عدم قدرتهم على تأمين الدواء والاستشفاء، حتى بتنا نجد من يصبر على مرضه أو على تفاقمه رغم كل ما يؤدي إليه ذلك من مخاطر على وضعه الصحي، وقد تكون آثاره كارثية".

بموازاة ذلك، أعرب فضل الله عن خشيته من "ألا يجد اللبنانيون يوماً ما المستشفيات القادرة على تأمين العلاج لهم، إن استمر الوضع على حاله في النزيف الذي تعاني المستشفيات منه على صعيد الأطباء والممرضين والكوادر الطبية أو الكلفة العالية التي تدفعها لتأمين العلاج لمرضاها، في مقابل تداعي ما يقدمه ​الضمان الاجتماعي​ أو الجهات الضامنة التي يعتمد عليها غالبية المواطنين في تأمين استشفائهم وأدويتهم".

وأسف لأن "كل ذلك يجري في ظل الجمود المستمر على الصعيد الحكومي والترهل السياسي والذي يخشى أن ينعكس على الصعيد الأمني، والخوف من تداعيات ما يجري على صعيد العلاقة المتوترة مع ​الدول الخليجية​". وجدد دعوته لكل الذين يديرون هذا البلد إلى "الرأفة به بالخروج من صراعاتهم ونزاعاتهم التي باتت تأكل من أخضر هذا البلد ويابسه، وتهدد أمنه واستقراره، وبأن لا تسمح بمزيد من التدخلات فيه أو على الأقل تجميدها، والتي يُخشى أن تزداد لشد العصب قبيل الانتخابات التي ستجري".

ورأى أنه "بالإمكان معالجة الأزمات المفتوحة التي تترك تداعياتها على حياة ​اللبنانيين​ واستقرارهم، أو البدء بمعالجتها إن توحدت جهود من يديرون الواقع السياسي وخرجوا من حساباتهم ومن رهاناتهم، وتعاملوا بحكمة وواقعية وعقلانية مع هذه الأزمات، إن على صعيد الداخل أو الخارج، وفكروا لمرة واحدة أن يكون هذا الوطن أولوية في سعيهم واهتماماتهم ومواقفهم وخياراتهم، ففي زمن المحن والأزمات التي تتعرض لها الدول والشعوب يتوحد الجميع من أجل إنقاذ بلدهم لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية".

وأكد أن "الصراعات والنزاعات في لبنان تزداد وصولاً إلى المهاترات، رغم أن الكل يرى أن سفينة البلد أوشكت أن تغرق بمن فيها وهم لن يكونوا بمنأى عن ذلك".