بات من المسلَّم به ان هناك من يقبع في الغرف المغلقة غير المرئية ويضع جدول أزمات خاصاً بلبنان. وهذ الازمات ليست من نوع واحد، بل هي تتعلق بالسياسة والاقتصاد والمال والأمن وصولاً إلى البيئة ، وذلك تطبيقاً لخطة ممنهجة هدفها إبقاء لبنان غارقاً في الازمات بانتظار بلورة المشهد الإقليمي والدولي الذي يعيش الآن مخاضاً عسيراً في ظل الكباش الحاصل حول إعادة رسم المنطقة برمتها على غرار تقسيمات «سايكس بيكو»، وربما تكون هذه المرة تقسيمات أوسع وأشمل.

فما يجري في لبنان ليس مجرّد صدفة، بل إنه مرسوم له بعناية فائقة وعلى أعلى المستوى في الداخل ومن خلف البحار، واللاعبون على الساحة اللبنانية وغير اللبنانية معروفون بشكل واضح،والهدف هو تحقيق المكاسب لهؤلاء وتحصين مواقعهم في ظل ما يجري في المطابخ الدولية من رسم معالم تسويات حجر أساسها الحفاظ على نفوذ الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى التي يأتي في مقدمتها لبنان.

وبات من المعلوم جداً أن رأس أولويات الخريطة المعدة للمنطقة هو تقسيمها إلى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة تكون فيها إسرائيل الدولة القوية القادرة على حفظ أمنها. ومن هنا فإن أية تسوية توضع على طاولة البحث لا تلحظ أمن إسرائيل سرعان ما ترفضها الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول التي تدور في فلكها،وهو ما يرفع من منسوب حالة التوتر التي يشهدها العالم العربي في أكثر من مكان.

هل تتحرّك عجلة الحكومة مجدداً باستقالة قرداحي واستبعاد بيطار؟

وانطلاقاً من هذا المشهد المقلق فإن مصادر سياسية عليمة ترى أن لبنان سيبقى لفترة طويلة تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، بحيث ما إن يخرج من أزمة حتى تبرز في وجهه أزمة أخرى وهكذا دواليك إلى ان تنضج التسوية في المنطقة والتي تبلغ بعد مرحلة التعويل على حصولها في وقت قريب.

وتقول هذه المصادر انه لنفترض أن الحكومة عادت للاجتماع بعد تسوية ما تتعلق بالمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وكذلك تمّ التوصّل للأزمة الطارئة بين لبنان ودول الخليج من خلال إيجاد المخرج الملائم لها لا سيما استقالة الوزير جورج قرداحي، فهل يوضع لبنان على سكة الحل؟ بالطبع لا، لأن الازمات العنكبوتية التي يعيشها لبنان على أكثر من صعيد لم تكن بسبب انفجار المرفأ وارتداداته، ولا بسبب تصريحات الوزير قرداحي ومفاعيلها، بل ان هذه الأزمات مردها إلى انعدام ثقة بين الافرقاء السياسيين في الداخل تجاه كل شاردة وواردة، بالإضافة إلى الكباش الإقليمي والدولي على بعض الساحات العربية وفي مقدمها لبنان، وهذا يعني أن الأزمات ستبقى مفتوحة ومن الممكن أن يكون لها متفرعاتها في المستقبل، فعلى سبيل المثال لنفترض أن الانتخابات النيابية حصلت بصورة طبيعية وهادئة، ومرّ هذا الاستحقاق بسلام، ماذا عن استحقاق الانتخابات الرئاسية الذي ستدور حوله؟ أم المعارك في ظل الإنقسام السياسي الحاصل في الداخل أيضاً، والانشطار السياسي على المستوى الاقليمي والدولي كذلك مما يجعل مقاربة هذا الاستحقاق محفوفاً بالمخاطر، من دون ان يضمن أي فريق سياسي بأن انتخاب رئيس جديد في العام 2022، سيتم بشكل سلس، ولا يدخل لبنان مجدداً في فراغ سياسي ربما يُشكّل ضربة قوية على رأس اللبنانيين الذين يعيشون أياماً قاسية بفعل الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تنذر بالتفاقم مع قابل الأيام وربما تكون في أعلى منسوب لها عند الولوج في خوض غمار الإنتخابات الرئاسية وهو استحقاق من المعروف عنه منذ الاستقلال الى اليوم أن الناخب الأكبر فيه هو العاملان الاقليمي والدولي.

ad

وتعبر هذه المصادر عن خوفها من دخول لبنان النفق المظلم على كافة المستويات في ظل فشل القوى السياسية في الوصول الى مخارج للأزمات التي يواجهها لبنان، بسبب رفع كل فريق طلباته وشروطه من دون الالتفات لما لذلك من تداعيات ومخاطر على مؤسسات الدولة التي وصلت في هذه المرحلة إلى عتبة الانهيار الكامل، بعد ان قرّر بعض القيّمين عليها عدم الاكتراث لأحكام الدستور ووضع وثيقة الوفاق الوطني على الرف.

وكشفت المصادر عن اتصالاتت تجري على أعلى المستويات لمعالجة قضيتي الوزير قرداحي والقاضي بيطار في سلّة واحدة بهدف إعادة تحريك عجلة الحكومة، ناقلة عن مرجع سياسي كبير تلميحاته إلى إمكانية إيجاد المخرج لهاتين الأزمتين في بحر هذا الأسبوع ما لم يطرأ أي طارئ من شأنه أن يعقد الأمور أكثر، وتذهب البلاد في اتجاه أزمة سياسية تزيد الطين بلة على كل الصعد لا سيما على مستوى سعر صرف الدولار، مشيرة إلى أنه يجري قيد التداول إمكانية استقالة الوزير قرداحي مع إقالة القاضي بيطار وتنتهي الحكاية.