لا يزال لبنان يعيش مرحلة التشويق الذي يتصاعد يوماً بعد يوم في قضية الخلاف مع ​السعودية​ وبعض دول الخليج. وعلى غرار كل المشاكل التي يتعرض لها هذا البلد، لا يأتي الحل بسهولة، بل يجب ان يتم التداول به مراراً وتكراراً والاخذ والرد واستكشاف آراء الدول الاقليمية والدولية، قبل ان يخرج القرار بتوليفة لبنانية. الحركة الناشطة التي شهدها هذا الملف في الآونة الاخيرة، اوحى بما لا يقبل الشك ان شيئاً ما يحضّر، فيما كان يجري تسريب الانباء عن تفاؤل بعودة الحكومة الى الاجتماع، والتي ترافقت مع اعلان وزير الاعلام ​جورج قرداحي​ استعداده للتخلي عن منصبه الوزاري اذا كانت هناك ضمانات بانهاء الاشكال مع لبنان.

وفيما يتم العمل بصمت على حل معضلة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت ​القاضي طارق البيطار​ والذي كان السبب المباشر في تجميد اجتماعات ​مجلس الوزراء​، بدا وكأن هناك بوادر ايجابية في قضية الوزير قرداحي. ولكن، وفق ما يتبيّن من الاتصالات واللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ مع كوكبة من المسؤولين المحليين وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ والنائب السابق ​سليمان فرنجية​، فإن حل هذه المعضلة بات قريباً. وفي خضم كل هذه الحركة، برز حدث لافت تمثل بالاعلان عن زيارة سيقوم بها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ الى قطر للمشاركة في افتتاح مباريات "كأس العرب" آخر الشهر الحالي. الخبر غريب بالطبع لسببين اساسيين: الاول ان عون، على غرار العديد من الرؤساء والمسؤولين في لبنان وخارجه، ليس من متابعي "كأس العرب" ولو ان لبنان يشارك فيها، كما ان الوضع الحالي الذي يمر به البلد لا يسمح بالقيام بزيارات لاسباب "رياضية". من الطبيعي القول ان هذه الزيارة هي "رياضيّة" في الشكل وسياسية في المضمون، ولكن من المستغرب معرفة الدور الذي قد تلعبه قطر لتقريب وجهات النظر بين لبنان والسعودية، وهي التي عانت جراء المواقف السعودية بفرض حصار عليها، وابتعادها عن الخطوات التي اتخذتها الرياض لـ"معاقبة" لبنان في الفترة الاخيرة.

ولكن، ترى بعض المصادر، انه بمجرد اتخاذ قرار للقيام بهذه الزيارة، فإن هناك ما يوحي ان "طبخة" ما يتم تحضيرها، وفي رأي هذه المصادر، فقد تكون بمثابة "جسّ نبض" فعلي وجدّي لمعرفة الموقف الخليجي عموماً من امكان خروج قرداحي من الحكومة، وما اذا كان الامر كافياً ام لا، في وقت تتصاعد فيه حدة التخويف والتحذير مما ينتظر اللبنانيين في حال بقيت الامور على حالها من التوتر مع السعودية ومن يؤيدها خليجياً. لذلك، تدعو المصادر الى ترقب الامور خلال الاسبوعين المقبلين، وخصوصاً ما بعد زيارة رئيس الجمهورية الى قطر، مرجحة ان تسفر كل هذه التحركات والاتصالات، الى "حلحة"(وليس حلاً) للمشكلة المستجدة مع الخليج، في ظلّ تحركات بعيدة عن الاضواء من قبل لاعبين دوليين على غرار ​فرنسا​ و​الولايات المتحدة​.

كل التوقعات تبقى في خانة التكهنات، ووحدها القرارات قادرة على قطع الشك باليقين، وفي حال سلك مسار القاضي البيطار طريقه نحو المنحى الايجابي (مع التطور البارز باعلان روسيا استعدادها تسليم صور الاقمار الصناعية للمرفأ التي طالب بها عون، قبل وبعد الانفجار) فمن المتوقع ان تسلك ايضاً قضية قرداحي مساراً ايجابياً، مع كل ما يعنيه ذلك من عودة الدوران الى العجلة الحكومية، والعمل على تحسن ظروف بعض الخدمات والامور الضرورية للبنانيين، كي يتمكنوا من التعايش مع وضعهم الحالي الصعب، والتحضير بجدية وفاعلية للانتخابات النيابية التي يعتبرها الخارج محطة مفصلية بالنسبة الى لبنان، ليس من حيث النتائج انما من حيث اجرائها.