بفعل الكمّ الكبير من دعاوى الردّ وكفّ اليدّ ومُخاصمة القضاء، والتي لم تستثنِ الغرف القضائيّة في التمييز والإستئناف، دخل المسار القضائي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت، في سُبات عميق. وترافق هذا الأمر مع نوم لا يقلّ عُمقًا للحُكومة–إذا جاز التعبير! فإلى متى ستستمرّ هذه الحال الشاذة، ولماذا هذه الخشية من نتائج تحقيقات إنفجار الرابع من آب؟.

بغضّ النظر عن القرار النهائي الذي سيصدر عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز، فإنّ ما حصل حتى تاريخه على خط التحقيقات في إنفجار المرفأ الذي كان قد وقع قبل أكثر من سنة وثلاثة أشهر، فتح الباب على جملة من التساؤلات الكبرى، من تطيير المُحقّق العدلي السابق في القضيّة، القاضي فادي صوّان في شباط الماضي(1)، إلى وضع مجموعة كبرى من العراقيل القانونيّة بوجه خلفه، أي المُحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وذلك بهدف منع القضاء من إستكمال التحقيقات! وكان لافتًا بشكل خاص، المنحى التصاعدي لمُعارضة "حزب الله" لمُجريات التحقيق، والتي بلغت في نهاية المطاف، حدّ التهديد بالتسبّب بإنهيار الحُكومة من الداخل، في حال عدم إزاحة القاضي البيطار.

واليوم، وعلى الرغم من الأزمة الدبلوماسيّة الحادة التي يعيشها لبنان مع عدد من دول الخليج، فإنّ ما يحول دون إنعقاد الحُكومة ليس الخلاف على إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي من عدمه، وليس التباين في وجهات النظر في الأسلوب الواجب إعتماده لإستيعاب الضغط الخليجي على لبنان، بل مسألة تحقيقات إنفجار مرفأ بيروت! وعلى الرغم ومن حجم الضرر الهائل الذي سبّبته الأزمة مع الخليج، فإنّ الأولويّة لبنانيًا هي لقضيّة تحقيقات المرفأ، علمًا أن لا حدود لمدى إصرار "حزب الله" على إنهاء دور القاضي طارق البيطار، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات. فمآخذ "الحزب" على القاضي البيطار، تُختصر بالتالي:

أوّلا: أنّ القاضي البيطار يتعامل بإستنسابيّة كبيرة في الملف، حيث أنّه إستدعى وإدّعى على مسؤولين دون سواهم ممن كانوا أو ما زالوا يتمتّعون بنفس المسؤوليّة الوظيفيّة.

ثانيًا: أنّه يُركّز في تحقيقاته على جانب الإهمال الوظيفي، وليس على صلب القضيّة، أيّ أنه إستدعى وإدّعى على مسؤولين مُتهمين بعدم التصرّف بالشكل المناسب إزاء خطر النيترات على الرغم من معرفتهم بوجوده، بدلاً من الغوص عميقًا في معرفة من جلب السفينة إلى بيروت، ومن أفرغ النيترات في المرفأ، ولأي سبب وغاية ولأي وجهة تصدير نهائيّة، إلخ.

وبالتالي، إنّ هذه المآخذ مَعطوفة على تأكيد الدائرة السياسيّة والإعلاميّة اللصيقة بمحور "المُمانعة"، أنه لا يُوجد في التحقيق ما يؤشّر إلى أيّ مسؤوليّة تطال "حزب الله"، لا من قريب ولا من بعيد، لا مُباشرة ولا غير مُباشرة، لا عبر أيّ مسؤول محسوب عليه ولا عبر أي عُنصر ينتمي إليه، تجعل إستعداد "الحزب" للتسبّب بتعطيل الحكومة، في ظلّ الأزمة المعيشيّة والحياتيّة الخانقة التي يعيشها اللبنانيّون حاليًا، مُستغربًا جدًا، علمًا أنّ عناد "الحزب" عرّض أيضًا علاقته السياسيّة وتحالفه مع "التيّار الوطني الحُرّ" للإهتزاز، عشيّة الإنتخابات النيابيّة المصيريّة، الأمر الذي زاد من التساؤلات ما إذا كأن في الأمر ما يجب إخفاؤه بأيّ ثمن! أكثر من ذلك، طالما أنّه لا يوجد أيّ مؤشّر يُدين أي شخص من "حزب الله"، أو يربطه بما حصل في المرفأ في الرابع من آب 2020، كما يؤكّد الكثير من سياسيّي وإعلاميّي محور "المُمانعة"، فلماذا الحديث إذًا عن أجندة سياسيّة بغطاء أميركي خلف التحقيقات، وعن مؤامرة جديدة ضُدّ "الحزب"، وعن "ديتليف ميليس" آخر(2)؟!.

إشارة إلى أنّ مُحاولات عدّة تجري حاليًا، لإنهاء تحقيقات القاضي البيطار بشكل كامل ونهائي عن ملف إنفجار مرفأ بيروت-كما يُطالب "الحزب"، على أن يكون المخرج هو مسار قانوني-قضائي، يمرّ جزء منه عبر تعيينات قضائيّة شاملة، وعبر تغييرات قضائيّة في سلسلة من المناصب الحسّاسة، تشمل هويّة المُحقّق العدلي في إنفجار المرفأ. لكنّ الطريق ليس سالكًا بعد، حتى أمام هذا "المخرج"، علمًا أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يأخذ في حسابته المواقف المُنتظرة من المُجتمع الدَولي إزاء أيّ خطوة غير مدروسة في ملفّ تحقيقات المرفأ، و"التيّار الوطني الحرّ" يأخذ بدوره في حساباته ردّة الفعل في الأوساط الشعبيّة اللبنانيّة، خاصة في البيئة المسيحيّة، عشيّة الإستحقاق الإنتخابي.

في الخلاصة، إنّ جلسات الحُكومة لن تُعاود قبل طيّ صفحة المُحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بشكل نهائي. وعند الإنتهاء من هذا الملف الأساسي، يُصبح التعامل مع ملف العلاقة الدبلوماسية مع دول الخليج تفصيلاً صغيرًا!.

(1) كفّت محكمة التمييز الجزائيّة في لبنان يد المُحقّق العدلي القاضي فادي صوان، بعد مرور 6 أشهر على تعيينه.

(2) يتحدّث مُناصرون لمحور "المُمانعة" عن مؤامرة دَوليّة لتوريط "الحزب" في جريمة إنفجار المرفأ، في تكرار لسيناريو توريطه في جريمة إغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، من قبل القاضي ديتليف ميليس الذي ترأس لجنة التحقيق الدوليّة لفترةمن الوقت.