لم تأتِ مبادرة تسليم السلطات الروسية وزير الخارجية والمغتربين ​عبدالله بو حبيب​، خلال زيارته موسكو، صور الأقمار الصناعية ل​مرفأ بيروت​، قبل إنفجار الرابع من آب وبعده، من فراغ، بل هي إستكمال لخطوات عدة تقوم بها ​روسيا​ لفتح باب التعاون مع بيروت، التي كان لديها، على مدى السنوات الماضية، الكثير من التحفظات بسبب القلق من الموقف الأميركي.

في الفترة الماضية، ارتفعت وتيرة الإهتمام الروسي بالأوضاع ال​لبنان​ية، من منطلق الحرص للحفاظ على الإستقرار المحلي، نظراً إلى أن موسكو باتت معنيّة بكل ما يجري في بيروت منذ دخولها إلى الساحة السورية، وبالتالي لم يعد لديها القدرة على التعامل مع هذه الساحة عن بعد، من دون تجاهل الصراع القائم على مكامن الطاقة في منطقة شرق البحر المتوسط.

في هذا السياق، تشير مصادر معنيّة، عبر "النشرة"، إلى أن الخطوة الروسية من المفترض أن تؤخذ بعين الإعتبار من الجانب اللبناني، لا سيما أنّ بيروت لم تنجح في الحصول على صور الأقمار الصناعية من أيّ دولة أخرى، بغضّ النظر حيال افادتها من عدمها في التحقيق القائم في إنفجار المرفأ.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذه الخطوة تؤكد مرة جديدة على رغبة موسكو في التعاون مع لبنان في كافة المجالات، بعد أن كانت قد عبرت عن ذلك في الكثير من المناسبات، من دون أن تلقى التجاوب المطلوب من الجانب اللبناني، لكنها تعتبر أن الواقع الذي تمر فيه بيروت قد يفتح الباب أمام ذلك.

من وجهة نظر هذه المصادر، الظروف الماليّة والإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد من المفترض أن تفتح كوّة أمام إمكانية التعاون مع أيّ جهة راغبة في تقديم المساعدة على تجاوز الأزمات القائمة، وبالتالي من المفترض أن تكون المهمّة أسهل في ظلّ تراجع إهتمام العديد من الدول، التي تصنّف صديقة لبيروت، عن الإهتمام بتقديم مثل هذه المساعدة.

في هذا الإطار، تشدّد المصادر المعنيّة على أنّ موسكو لن تذهب إلى التعامل على قاعدة الكسر أو الدخول الخشن إلى الساحة اللبنانية، بل هي تفضل أن يتم ذلك بالتفاهم مع مختلف الأفرقاء اللبنانيين الذين تتمتع مع غالبيتهم بعلاقات جدية، وبالتالي التعاون يجب أن يكون عن طريق ​الدولة اللبنانية​ التي من المفترض أن تتحرك للإستفادة من العروض الموضوعة أمامها.

وتلفت المصادر نفسها إلى أهميّة الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية الروسية ​سيرغي لافروف​، خلال لقائه نظيره اللبناني، للتأكيد على جدّية الخطوات التي تقوم بها موسكو بإتجاه بيروت، حيث تحدّث بشكل علني عن قرار بمشاركة الشركات الروسيّة في إعادة إعمار البنى التحتيّة اللبنانيّة، بينما من المفترض أن يعود، في الأيام المقبلة، إلى بيروت وفد الشركة المعنية بمشروع بناء مصفاة النفط، بعد أن أمّنت الكفالة المصرفيّة المطلوبة للتمويل.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر أنّ المشكلة الأساسيّة التي كانت تحول دون تعميق التعاون بين البلدين كانت تكمن، تاريخياً، في الموقف السياسي اللبناني، لكنّها تشير إلى أنّ الظروف الراهنة، لا سيما بعد إغلاق ​واشنطن​ أبوابها بوجه العديد من القوى السياسية المحليّة، قد تفتح الباب أمام معالجتها، حيث لم يعد "​حزب الله​" هو الداعي الوحيد إلى مثل هذا التعاون، بل هناك مروحة من القوى السّياسية التي تكبر يوماً بعد آخر.