بهدوء... فالإنتخابات النيابية في لبنان تبدو داهمة وثقيلة على السلطة السياسية وأحزابها الحاكمة، جرَّاء الأزمات والإنهيارات المتلاحقة للكيان اللُّبناني، بعد أن أفْلَسوه وجوَّعوا أهله وناسه وهجَّروا من تبقَّى من شبابه، فالتحوُّلات الشعبية التي إنتجتها إنتفاضة الشعب بتراكماتها منذ عام 2015 ، جعلت من الصعب إستقامة العمل السياسي مع هذه السلطة وطبقتها الحاكمة وإليكم التفاصيل:

أولاً: الإنتخابات البرلمانية ستغيِّر الخريطة السياسية بعد أن فقدت الأحزاب الحاكمة قيمتها ووزنها ومصداقيتها، والأهم خطابها السياسي التي تآكل وتصدأ.

ثانياً: هذه المتغيِّرات في الخريطة السياسية اللُّبنانية يجب أن تسير تلازماً مع الترتيب الإقليمي خصوصاً مع المفاوضات الإيرانية-الأميركية، لأنَّها تتعلَّق بنفوذ طهران وأدواتها في المنطقة ومنها لبنان.

ثالثاً: التيار الوطني الحر سيقود المواجهة في إستعصاء الحل، لأنه غالباً ما يأخذ على عاتقه العمليات الإنتحارية بتجميد البلد، أو توسيع دائرة الفراغ السياسي نيابة عن القوى الحاكمة وخاصة حزب الله وحركة أمل، وهو إتَّخذ لهذه الغاية وحصَّن خطوطاً دفاعية بالطعن أمام المجلس الدستوري، أو عبر نغمة عدم توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم الإنتخابات ودعوة الهيئات الناخبة لعِلْمهم مسبقاً بالخسارة التي ستصيبهم أولاً ويريدون تجنُّبها، وثانياً تكون المواجهة نيابة عن حليفهم الثنائي الشيعي، حيث لديه حسابات مختلفة تماماً عن التيار العوني في نظام الحكم والتوازنات المفقودة خاصة على مستوى إخراج السُّنة من المعادلة السياسية كاملاً، بعد أن ساهم كلٌّ من حزب الله والعهد وباسيل في عملية هذا الإقصاء..

رابعاً: في لبنان نظام برلماني تترأّسه الحكومة وهي مسؤولة أمام مجلس النواب وليس هناك من نظام رئاسي يحكم كما يشتهي ويريدوه العونيون، ولهذا تعطَّلت البلاد أشهراً وسنين من أجل الصلاحيات التوافقية ومعها إنهار البلد والكيان، فنحن نتحدث عن إنهيارات وليس عما هو ينتظر اللبنانيين.

خامساً: مسرحية الإعتراض على القاضي البيطار وإنقسام الأحزاب الحاكمة، ما هو إلاَّ تبادلٌ للأدوار، فالكلُّ يعرف أن أي حجر من أحجار هذه السلطة إن وقع ستكرُّ السُّبْحة في هذه المنظومة وتتدحرج رؤوس كثيرة، وهذا ما يخشاه حزب الله بالتحديد ويعمل لحماية هذه النظام حنى لو تآكلت شعبيته وهي فعلاً تآكلات، من أجل تأمين البديل السياسي في إعادة صياغة الحكم والنظام بما يريح الثنائي الشيعي أو الشيعية السياسية التي حقَّقت تقدماً كبيراً في مسار عملها وشعبيتها.

سادساً: إذا سارت مفاوضات فيينا وفق الرؤية وبما يُطَمْئِن إيران قبل الإنتخابات البرلمانية، فستجري في موعدها حتى لو أصابت الخسائر بعض التكتلات الطائفية والمذهبية للأحزاب الحاكمة، حيث أن التعويض سيكون في الإقليم أكبر وأهم وفق رؤيتهم الإيديولوجية في نهج الحكم، أما إذا تعثَّرت هذه المفاوضات التي تريد أن تصيب أو تخفِّف من قدرة إيران ونفوذها في المنطقة، وهذا له حساباته الأميركية والروسية في سوريا والسعودية على مستوى الطائفة السُّنية في لبنان والعراق، وبمعنى أدق أنه إذا لم تتوافق الأطراف على تسوية ما أو تأخرت في إتمامها، فسلاح تعطيل الإتخابات في لبنان جاهز بيد التيار العوني ورئيس الجمهورية كي لا يُتَّهم الثنائي بهذا التعطيل أولاً. وثانياً يريد هذا الثنائي ضمانات سياسية تدخل في قلب تعديل النظام السياسي كبديل عن السلاح الذي تجمَّد العمل به، وتعطَّل على أكثر من جبهة إقليمية، إن كان مع إسرائيل أو في سوريا أو في اليمن، ومحال إستخدامه في الداخل اللُّبناني بعد أن إصطدم في أكثر من حائط مذهبي وطائفي ومدني...

وحينها ستشتد وطأة الأزمة في لبنان، أو يمعنى أصح لن يكون هناك إنتخابات في جرأة على التغيير في خريطة البرلمان النيابية، إذا لم يحصل الثنائي الشيعي على ضمانات سياسية سواء داخل النظام السياسي أو عبر الخارج تحفظ لإيران مكانتها وحضورها ودورها من دون أن نعرف بعد على حساب من ستكون أو في أي دولة ستعقد هذه الصفقات... فلننتظر ونترقَّب…

أستاذ محاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية.

كاتب سياسي لبناني وعربي.

مدير مركز الراصد الإخباري العربي والدولي.