بات يمكن القول بشكل رسمي ان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بات وحيداً في الساحة، ويناضل وحده كي ينقذ السنة الاخيرة من عهده، ويتمسك بـ"انجاز" اقرار التدقيق المالي الجنائي الذي يعتبره مدخلاً ل​مكافحة الفساد​، و"طفله المدلّل" وهو بالنسبة اليه بمثابة "اعلان بعبدا" بالنسبة الى سلفه الرئيس العماد ​ميشال سليمان​. ولكن للمفارقة، وعلى الرغم من الاختلاف في الطباع والآراء والمواقف بين الرجلين، الا ان نتيجة "طفليهما المدللين" ستكون نفسها، فإعلان بعبدا لم يعد له اثر منذ ان تمّت كتابته، وحتى ان نسخته في القصر الجمهوري احترقت في تلك الليلة التي اندلع فيها الحريق في شجرة الميلاد في بهو القصر. اما التدقيق المالي الجنائي، فقد تم اقراره بالفعل، ولكن مصيره سيكون مشؤوماً، وهذا الكلام ليس للمنجّمين، بل للمحلّلين والمتابعين للامور والاوضاع في ​لبنان​. يتّفق هؤلاء على أنّ عون ارتكب الكثير من الاخطاء في مواقفه وقراراته، ولا يحيّدون النائب ​جبران باسيل​ من مسؤولية ما آلت اليه الامور بالنسبة الى العهد الرئاسي، ولكنهم يعتبرون ان هناك مغالاة في تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية كل المصائب والويلات التي يعاني منها لبنان، ويؤكّدون ان هناك "حرباً" عليه لمنعه من تحقيق اي انجاز ولو بسيط، ولذلك فإنّ التدقيق المالي الجنائي لن يشهد النتائج المرجوة، وهو سيستمر في السير على درب المعاناة بين وزارة الماليّة وحاكميّة ​مصرف لبنان​، ولن تحصل شركة "الفاريز ومارسال" على كل ما ترغب فيه من وثائق ومعلومات ولو بقيت عشرات السنوات، فيما لن يشهد القضاء أي دعوى ضد أيّ مسؤول من الصفّ الاول بتهم الفساد والهدر.

ويرد المتابعون هذا الامر الى سببين اساسيين: الأوّل هو حماية المسؤولين من أيّ إجراء قد يطالهم، لانه في لبنان اذا ما ادين مسؤول سياسي او رسمي، فيجب ان يدان الباقون ايضاً والا تحركت الغرائز الطائفيّة والشارع والموالون، وتتخذ الامور طابعاً آخر يتم فيه تحوير المسألة الى استهداف لطائفة او مذهب دون سواها، وتتم المناداة بالعدالة ويصبح الدفاع عن المسؤول وكأنّه امر "مقدس".

اما السبب الثاني، فيعود وفق المتابعين انفسهم، الى ان الجميع مصرّ على عدم تجيير اي انجاز لرئيس الجمهورية، خصوصاً في المرحلة الاخيرة من عهده، وعلى ابواب الانتخابات النّيابية، لانّ الهدف هو العمل على تهميشه قدر الامكان ونزع اي صورة باقية عنه كرئيس قوي او كمسيحي قوي، بحيث يظهر وكأنه لا يمثل الا قلّة قليلة ولم يعد يتمتع بأكثرية شعبيّة ولا نيابيّة، وبالتالي لا يحقّ له ولا للتّيار الوطني الحر في المدى القريب التمتّع بأيّ نفوذ اكثر مما يجب. من الطبيعي ألاّ يكون هناك قدرة لاحد على الغاء ​التيار الوطني الحر​ او اي حزب او تيار آخر، ولكن هناك مجال كبير لاضعافه وتحجيم نفوذه في الخارج والداخل على حدٍّ سواء، وهذا هو المطلوب وتحديداً قبل ​الانتخابات النيابية​ المقبلة، وهو ما سينعكس حتماً على القضاء على أي آمال باقية لباسيل كي يتحضّر لخوض معركة رئاسة الجمهوريّة.

من البديهي ان عون لن يترك الرئاسة كما تسلّمها، وانه فقد الكثير من العوامل التي كانت تميّزه كرئيس عن غيره، ولكن المؤكّد ايضاً ان الحصار الداخلي المفروض عليه آخذ بالتوسع، وانه يجد نفسه وحيداً في الميدان فيما الجميع يرغب في اضعافه والحصول على اجزاء من نفوذه، وحتى الآن يبدو ان مسار الحرب لا يصب في خانة رئيس الجمهورية الذي اصبح يحتاج الى "معجزة" حقيقيّة لاسترداد بعض النقاط، والا سيبقى طوال السنة المقبلة يحاول ردّ الضربات التي يتلقّاها من كل حدب وصوب، وقد لا ينجح في مسعاه.