أشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، خلال القداس الالهي لمناسبة مرور 25 عاماً على نشأة حبرية عمل الله، الى أنه "في ضوء هذا المثل الإنجيلي يسعدنا أن نحتفل مع حبريّة Dei Opus بيوبيل وجودها في لبنان الفضّي. فنشكرالله معها على ما أغدق، طيلة الخمس وعشرين سنة، من نعم بواسطة خدمتها المتنوّعة في مراكزها الخمسة في بيروت وصربا وجبيل ومعاد وبشرّي"، موضحاً أن "رسالة حبريّة Dei Opus، كما حدّدها مؤسّسها القدّيس Escrivá Josémaria، هي تقديس الذات في العمل اليوميّ، والحياة العائليّة، والعلاقات الإجتماعيّة. ولها هدف واحد هو السهر كي يكون في العالم رجال ونساء، من كلّ عرق ولون وحالة اجتماعيّة يجتهدون في خدمة الله والبشريّة في عملهم اليوميّ ومن خلاله وسط واقعات العالم ومصالحه".

وأكد أنه "في المثل الإنجيليّ، خرج ربّ البيت ليستأجر فعلة لكرمه، خمس مرّات: باكرًا، وعمد الساعة التاسعة، وعند الظهيرة، ثمّ عند الثالثة، وأخيرًا عند الخامسة. هذه الساعات تعني تغطية كلّ أوقات العمل في النهار.وتعني أيضًا مختلف الأعمار: الطفولة والشباب والكهولة والشيخوخة، وما لكلّ عمر وحالة نوع من العمل المادي والروحي والمعنوي والأخلاقي (الإرشاد الرسولي للقديس البابا يوحنا بولس الثاني: العلمانيون المؤمنون بالمسيح، 45)"، مشدداً على أن "كلّ هذا يعني أنّ شريعة العمل واجبة على الجميع، في كلّ ساعات النهار. الكنيسة مقتنعة من أنّ العمل يشكّل بعدًا أساسيًّا لوجود الإنسان على الأرض. وما يثبت ذلك هو تراث العلوم المتعدّدة ، والموجّهة كلّها إلى الإنسان: كالأنتروبولوجيا (علم الإنسان)، وبالِيوءُنتولوجيا (علم المتحجّرات)، والتاريخ، والسوسيولوجيا (علم الإجتماع)، والبسيكولوجيا (علم النفس)، وسواها. (الرسالة العامّة للقديس البابا يوحنّا بولس الثاني: ممارسة العمل،4)".

ولفت الراعي، إلى أنه "أجل، تجد الكنيسة في الصفحات الأولى من سفر التكوين أنّ الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، تسلّم من الله السلطة على الأرض لكي يحرثها ويُخضعها ويعيش من ثمارها وفقًا لرسومه ووصياه (راجع تك 1/27-28؛ 3/19). ربّنا يسوع المسيح خضع هو أيضًا لشريعة العمل في حقل النجارة مع أبيه يوسف، قبل أن يبدأ رسالته العلنيّة بعمر ثلاثين سنة. فعندما بدأها بكلام الحكمة وإجراء آيات الشفاء كان معروفًا أنّه "إبن النجّار، وأمّه تُدعى مريم" (متى 13: 55). مارس النجارة في بحر الأسبوع، وفي كلّ سبت كان يتردّد إلى المجمع، وكلّ سنة إلى أورشليم في عيد الفصح".

وإعتبر أن "للكنيسة تعليم واسع حول العمل، بدءًا من البابا لاون الثالث عشر في رسالته العامّة الشهيرة "الشؤون الحديثة" (15 أيّار 1891)، مرورًا بالرسالة العامّة للبابا بيوس الحادي عشر "في السنة الأربعين" لرسالة "الشؤون الحديثة (1931)، وبالرسالة الصوتيّة للمكرّم البابا بيوس الثاني عشر في الذكرى الخمسين لرسالة الشؤون الحديثة (1941)، فإلى الرسالة العامّة للقدّيس البابا بولس السادس "في الذكرى الثمانين" للشؤون الحديثة (1971)، وصولًا إلى الرسالة العامّة للقدّيس البابا يوحنا بولس الثاني "بممارسة العمل" (1981)، بمناسبة مرور مئة سنة على صدور "الشؤون الحديثة".

وشدد الراعي، على أن "كلّ هذه الرسائل العامّة تعيد إلى عالم اليوم قيمة العمل وقدسيّته، أيًّا يكن نوعه، يدويًّا، فكريًّا، روحيًّا، ثقافيًّا، تعليميًّا، تربويًّا، سياسيًّا، ديبلوماسيًّا، إداريًّا، قضائيًّا، عسكريًّا، اقتصاديًّا، تجاريًّا، ماليًّا، سياحيًّا، عائليًّا، اجتماعيًّا، إنسانيًّا. كلّ هذه الأنواع وسواها من العمل نحن مدعوّون، بحسب روحانيّة القدّيس aémarìJos، مؤسّس حبريّة Dei Opus، لنقّدس عملنا ونتقدّس به، بواسطة كلام الله ووصاياه ورسومه، وقوّة نعمته، وأنوار روحه القدّوس. ما يعني أن يكون عملنا صالحًا، وعادلًا، وشفافًا، ومخلصًا، ومحبًّا، وبنّاءً، وساعيًا إلى تأمين الخير العام، ونشيدًا لتمجيدالله، وبناءً لمجتمع أكثر إنسانيّة وحضارة"، مؤكداً أن "كلّ عمل بمختلف أنواعه شاق. لكنّه دائمًا لخير الإنسان، إذ يجعله ناضجًا في إنسانيّته. ولذا سمّى القدّيس توما الأكوينيّ العمل كخير للإنسان "خيرًا شاقًّا". فهو خير "مفيد، ويُنعم به، ولائق" وبهذه الصفة يتناسب وكرامة الإنسان. فهو ليس فقط يحوّل الطبيعة، ويجعلها ملائمة لضروراته، بل أيضًا يحقّق ذاته كإنسان، وبمعنى ما "يصبح أكثر إنسانًا"، هذا هو البعد الأخلاقي لكلّ عمل (راجع "ممارسة العمل"، 9)".