صحيح أنّ الظُروف المَعيشيّة والحَياتيّة الضاغطة جدًا أدّت إلى حرف الأنظار عن وباء "كوفيد 19"، ودفعت اللبنانيّين إلى تجاهل كل إجراءات السلامة، لكنّ الأصحّ أنّ الإصابات والوفيّات الناجمة من الوباء لا تزال موجودة في لبنان، والمخاطر بتناميها بشكل سريع في الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، واردة بنسبة عالية، نتيجة المُتحوّل الجديد الذي يحمل إسم "أوميكرون". فماذا نعرف عن هذا المُتحوّل الجديد، الأحدث في سلسلة "كوفيد 19"، وهل سيصل إلى لبنان، وماذا سيحصل عندها؟.

أوّلاً: الخطأ الذي إرتكبته الدول الغنيّة والمُتقدّمة، والمُتمثّل بتحصين شُعوبها حَصرًا من دون الإلتفات إلى شُعوب الدول الفقيرة-بغضّ النظر عن الأسباب، أكانت عبارة عن جشع تجاري أو فوقيّة ثقافيّة أو سوء تقدير طبّي، إلخ. أسفر عن حدوث مُتحوّلات عدّة لوباء "كوفيد 19"، تنطلق في مُعظمها من الدول التي لم تشهد نسبة لقاحات مُهمّة. وأحدث هذه التحوّلات، "أوميكرون" الذي تردّد أنّه تطوّر في القارة الإفريقيّة التي تشهد إحدى أدنى مُستويات التلقيح على مُستوى العالم، حيث تطال 10 % من السُكّان فقط.

ثانيًا: المُتحوّل "أوميكرون" الجديد بدأ ينتشر في كل دول العالم وليس في القارة الإفريقيّة فقط، حيث يتمّ يوميًا تشخيص المزيد من الإصابات به، في صُفوف أشخاص عادوا حديثًا من السفر إلى دولهم الغربيّة أو حتى يسكنون فيها. وهو بالتالي مُرشّح لأن يخرج عن السيطرة في العالم أجمع، خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة. وتصريح وزير الصحّة فراس أبيض الذي هو بالمُناسبة طبيب، وكان مسؤولاً عن إدارة مُستشفى بيروت الحكومي في عزّ أزمة وباء "كورونا"، بأنّ "لا مخاوف حتى الآن، لأنّه ليست للبنان خُطوط طيران مباشرة مع جنوب إفريقيا"، مُستغرب جدًا، ويُؤمّن حماية مَعنويّة مُضلّلة، لأنّ أيّ دولة لن تكون بمنأى عن هذا المُتحوّر الجديد في المُستقبل القريب، بسبب إنتشار "أوميكرون" خارج القارة الإفريقيّة، خاصة في أوروبا وشرق آسيا، وبالتالي، ما هي إلا أيّام أو أسابيع قليلة، حتى يُصبح مُنتشرًا في العالم أجمع، كما حصل مع مُتحوّرات سابقة مُختلفة!.

ثالثًا: إنّ خطر المُتحوّر الجديد "أوميكرون" الأساسي، أنّه يتضمّن عشرات الطفرات الجينيّة المُتغيّرة في مادته الوراثيّة، وتُوجد شكوك طبيّة كبيرة حاليًا بأنّه قد يكون قادرًا على التملّص من اللقاحات المُعتمدة، إن جزئيًا أو حتى كليًا في بعض الحالات، بحيث أنّ الأجسام المُضادة-أكانت لأشخاص مُلقّحين ضُدّ "كوفيد 19"، أو لأشخاص سبق وأن أصيبوا بالوباء، قد لا تعمل بالشكل المَطلوب في مُواجهة هذا المُتحوّر، الأمر الذي قد يُعيدنا إلى نقطة الصفر في حال جرى التأكّد من صحّته مخبريًا وطبيًا في الأيّام المُقبلة. وعلى الرغم من أنّ أغلبيّة المُصابين بوباء "كوفيد 19" حاليًا، ينتمون إلى فئات غير مُلقّحة، فإنّ عددًا لا يُستهان به من المُلقّحين يُصابون بالوباء من جديد(1). وإذا كانت عوارض هؤلاء تكون خفيفة في أغلب الأحيان، فإنّ الخشية من ألاّ تكون كذلك مع المُتحوّر الجديد، في حال ثبت عجز اللقاحات الحالية عن مُقاومته.

رابعًا: الإصابات بوباء "كوفيد 19" في العالم عادت للإرتفاع بشكل مَلحوظ مع نحو نصف مليون مُصاب جديد يوميًا، ومع نسبة وفيّات تتراوح يوميًا بين 6000 و10000 شخص! وفي لبنان، عادت الأرقام بدورها لترتفع إلى ما فوق الألف إصابة يوميًا (باستثناء إحصاءات يوم الأحد التي تصدر الإثنين، والتي تكون فيها نسبة إختبارات "بي سي آر" مَحدودة جدًا). وفي الأيّام القليلة الماضية، بدأت الأرقام تُلامس الألف وخمسمئة مُصاب يوميًا، خاصة وأنّ شرائح واسعة من المُجتمع اللبناني مُصرّة على عدم تلقّي اللقاح، وعلى تجاهل إجراءات السلامة، على الرغم من كل مُحاولات الحثّ والتوعية والتثقيف. وبالتالي، في حال وُصول مُتحوّر "أوميكرون" إلى ديارنا، فإنّ أرقام الإصابات والوفيّات مُرشّحة للإرتفاع بشكل كبير.

خامسًا: الشركات الكُبرى المُنتجة للقاحات الرئيسة والمَشهورة، أعلنت أنّها قادرة نظريًا على تصنيع لقاحات جديدة قادرة على التصدّي لتركيبة المُتحوّر "أوميكرون" التي تُضلّل جهاز المناعة البشري وتجعله لا يتصدّى للوباء بالشكل المُناسب، كما تبيّن في الدراسات الأوّليّة غير المَحسومة بعد. لكنّ إنتاج هذه اللقاحات الجديدة الأكثر فاعليّة يحتاج لمهلة تحضيريّة لا تقلّ عن ستة أسابيع، ومن ثم تبدأ عمليّات التصدير التي تستغرق أشهرًا عدّة، لنعود عندها لنغرق بدوّامة إنتظار اللقاحات وتعميم التلقيح من جديد!.

سادسًا: إنّ الأوضاع المُتردّية جدًا في لبنان لا تسمح بإعادة إقفال البلاد نهائيًا، حتى لو إرتفعت الإصابات والوفيّات في المُستقبل، وأكثر ما يُمكن فعله هو تمديد عطلة عيدي الميلاد ورأس السنّة بضعة أيّام، علمًا أنّ إنتشار الوباء في لبنان لا يتركّز في المدارس والجامعات، الأمر الذي يُقلّل من فعاليّة هذا الإجراء في حال إعتماده. كما أنّ الواقع الإستشفائي الصعب يجعل قُدرات القطاع الطبّي مَحدودة جدًا على مُواجهة أيّ موجة إنتشار واسعة لوباء "كوفيد 19" مُجدّدًا، أكان عبر مُتحوّر "أوميكرون" الجديد أو من دونه.

في الخُلاصة، المَطلوب تحرّك مُختلف الجهات المَعنيّة في لبنان بشكل سريع جدًا، لإعتماد إجراءات وقائيّة تُقلّل وتؤخّر قدر المُستطاع خطر تسرّب مُتحوّر "أوميكرون" إلى بلادنا. والمَطلوب عودة التشدّد في تطبيق إجراءات السلامة، لجهة فرض التباعد وإرتداء الكمّامات وعدم التخالط والتلامس، ولوّ من دون اللجوء إلى خيار إقفال أيّ من القطاعات والمُؤسّسات. ويبقى الأمل أن تكون اللقاحات فعّالة في مُواجهة "أوميكرون"، وأن تكون الإنطباعات الطبيّة الأوليّة التي تحدّثت عن عكس ذلك غير دقيقة، لأنّ اللبنانيّين-وبكل بساطة، ليسوا قادرين على تحمّل أي نسمة هواء إضافيّة، فكيف بالحري إنتشارًا جديدًا لوباء "كورونا"!.