منذ بدء الأزمة الحكوميّة الناجمة عن إصرار ثنائيّ "حزب الله" و"حركة أمل" على "تنحية" المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت، قبل البحث بأيّ أمرٍ آخر، ورفض رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي المعادلة، احترامًا لمبدأ "فصل السلطات"، يسود انطباع في الأوساط السياسية أنّ الأمور تراوح مكانها، بل إنّها تدور "في حلقة مفرغة".

هكذا، لم ينعقد مجلس الوزراء مرّة على امتداد الأسابيع الماضية، رغم أنّ البلاد شهدت أزمات تفوق بخطورتها، تلك التي كان يريد بعض المعطّلين أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال سابقًا لبحثها، لكنهم يرفضون اجتماع الحكومة "الأصيلة" اليوم من أجلها، من الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة مع دول الخليج، وما انطوت عليه من مخاطر "كارثية" على الوضع العام، وصولاً إلى "تحليق" سعر الدولار، الذي يسجّل "مستويات قياسية" بالجملة.

وسط هذه الأجواء، تتكرّر "المعزوفة" نفسها مطلع كلّ أسبوع، على شكل تسريبات صحافية وإعلامية، حيث تنتشر معلومات عن "نيّة" رئيس الحكومة الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، بناءً على "توافق" حصل بينهما، في مقابل معلومات "متناقضة"، تتحدّث عن "ورقة الاستقالة" التي سيضعها الرجل على الطاولة، إذا ما بقيت الأزمة على حالها، ورفض المعطّلون التجاوب مع مساعيه "الماراثونية".

فما صحّة كلّ ما يُحكى في هذا الإطار؟ هل يدعو رئيس الحكومة إلى جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع، باتفاق أو من دونه، باعتبار أنّ "الكيل طفح" وأنّ "للصبر حدودًا"؟ هل من "تسوية" في الأفق، تنتظر عودة رئيسي الجمهورية والحكومة من الخارج، لتجد ترجمتها؟ وماذا عن ورقة "الاستقالة"؟ هل يضعها ميقاتي على الطاولة "جديًا"؟.

قد يكون الثابت والمحسوم، حتى الآن على الأقلّ، هو ما يتعلّق بالسؤال الأخير، فبعيدًا عن "الضغط التهويلي" الذي قد يجدي نفعًا في بعض الأحيان، يؤكد العارفون أنّ استقالة الحكومة غير مطروحة في الوقت الحاليّ، وأنّ ميقاتي متمسّك ببقائها، وهو يسعى لـ"تحريرها" من القيود والضغوط التي فُرِضت عليها، لكنّه مؤمن بأنّها ولدت لتبقى حتى الانتخابات النيابية بالحدّ الأدنى، إن جرت في موعدها، الأمر الذي يبدو أنّه لا يزال محلّ "تشكيك" حتى إشعار آخر.

ويشير هؤلاء إلى أنّ ميقاتي يستند في تمسّكه بالحكومة إلى أنّ استقالتها لن تشكّل حلاً لأيّ من الأزمات التي يتخبّط خلفها البلد، بل على العكس من ذلك، ستفتح "أبواب جهنّم" على اللبنانيين، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك "استحالة" تشكيل حكومة جديدة في الوقت "المستقطع" الفاصل عن موعد الانتخابات، وإن كان البعض "يراهن" ربما على مثل هذه الأزمة "المفتعلة" لتطيير الاستحقاق عن بكرة أبيه، وهو "سيناريو" يبقى واردًا حتى إثبات العكس.

وإذا كانت هذه "الحُجّة" مردودة برأي الكثيرين، باعتبار أنّ أبواب "جهنّم" فُتِحت أصلاً على اللبنانيين، وهي لا تنتظر استقالة الحكومة المعطّلة والمشلولة، والتي أصبح وجودها مثل غيابها، خصوصًا في ضوء المستويات القياسية التي يسجّلها سعر الصرف في الأيام الأخيرة، فإنّ ميقاتي، وفق ما ينقل المقرّبون منه، لا يزال يعتقد بأنّ الأمور قابلة للحلّ، وأنّ الحكومة، ولو كانت معطّلة، تبقى أفضل من "الفراغ" الذي سيطيح بكلّ شيء على طريقه.

لكن، هل يدعو ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء مع عودة رئيس الجمهورية ميشال عون من قطر، وهو الذي اتفق معه على "تحريك" عجلة الحكومة، خلال اللقاء الأخير الذي جمعهما، وفق ما نقلته التقارير الصحافية المتقاطعة؟.

حتى الآن، تبدو الإجابة "الواقعيّة" نافية لمثل هذا "السيناريو"، حيث تشير المعلومات المتوافرة إلى أنّ رئيس الحكومة "المتمسّك" بحكومته، "متمسّك" أيضًا بحلّ الأزمة القائمة بالطرق "الدبلوماسية"، إن جاز التعبير، وهو لن يقدم على أيّ خطوة، يمكن أن تفسَّر في بعض الأوساط "تحدّيًا لأحد"، وهو يفضّل أن يترك للوساطات والمبادرات "فرصتها"، ولو أنّ معظم المراقبين يؤكدون أنّها لا تزال "تراوح مكانها" منذ اليوم الأول.

يتحدّث بعض المقرّبين من ميقاتي عن "تقدّم" حصل في الأيام الأخيرة، في إشارة ربما إلى ما أثير عن "تسوية" يؤمّن بموجبها "التيار الوطني الحر" نصاب جلسة لمجلس النواب تخصَّص لتحويل النواب والوزراء المدّعى عليهم في ملف تفجير مرفأ بيروت، إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي ينصّ عليه الدستور، وهي "الصيغة" التي يعمل عليها رئيس البرلمان نبيه بري، باعتبارها "مَدخلاً" للحلّ.

لكنّ طريق مثل هذه "التسوية" لا تبدو معبَّدة على الإطلاق، فمن ناحية يشير البعض إلى أنّ "حزب الله" نفسه ليس موافقًا عليها، أو بالحدّ الأدنى، ليس "مقتنعًا" بها، وهو يصرّ على "تنحية" القاضي طارق البيطار بالكامل عن ملف التحقيق بتفجير المرفأ، ومن ناحية ثانية، يؤكّد البعض أنّ "تأمين" نصاب جلسة البرلمان قد لا ينهي الأزمة، وسط علامات استفهام تُطرَح حول نيّة الأكثرية النيابية التصويت لصالحها أم لا، علمًا أن إشكالية دستورية أخرى قد تُطرَح ربطًا بجلسة البرلمان الأخيرة، تتعلق بعدد الأصوات المطلوبة لإقرارها.

في المقابل، ثمّة من يطرح علامات استفهام حول موقف الشارع من كلّ ذلك، خصوصًا أنّه سبق أن رفض ما سُمّيت بـ"عريضة العار" في وقت سابق، ما دفع "التيار" و"القوات" وغيرهما إلى تعطيل نصاب البرلمان، واضطر العديد من النواب الموقّعين على العريضة إلى سحب توقيعهم عنها، ما يوحي بأنّ السيناريو نفسه قد يتكرّر، خصوصًا أن المزاج الشعبي، بعيدًا عن ثنائي "حزب الله" و"أمل"، يبدو ميّالاً أكثر إلى "ضفة" القاضي البيطار.

هكذا، وخلافًا لكلّ ما يروَّج عن "تسويات ومقايضات" وغير ذلك، يبدو أنّ الأمور تراوح مكانها. رئيس الحكومة لن يستقيل، على الأرجح، لكنّه بالتأكيد لن يدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء لا يوافق عليها الثنائي الشيعي ولا يحضرها. يقول البعض إنّ "الرهان" هو على تغيّر في المعادلات، بعدما وصل كلّ الأطراف إلى نقطة "اللا عودة"، ولم يعد التراجع خيارًا. فهل يتحقق ذلك، أم أنّ الأزمة "ستدوم وتدوم وتدوم"؟!.