على غرار ما قام به لبنان خلال الحصار الذي كان مفروضاً من قبل عدد من دول الخليج على قطر، حين أتى امير قطر تميم بن حمد آل ثاني الى لبنان للمشاركة في اعمال القمة العربية الاقتصادية والتنموية، شكّلت الدوحة مساحة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون لكسر "العزلة" المفروضة على لبنان بشكل عام، وعليه بشكل غير مباشر، حين وصل اليها للمشاركة في حفل افتتاح بطولة كأس العرب لكرة القدم.

طبيعي ان عزلة عون لا تتأتى من الخارج بعد بشكل واضح، لانه لا يزال يستقبل ويلتقي كل المسؤولين العرب والاجانب الذين يزورون لبنان، بل ان عزلته اقرب الى الداخليّة منها الى الخارجيّة، لانّ العديد من الاطراف على الساحة اللبنانيّة لا يرغبون في تأمين عوامل النجاح لعهده. ولعل الدليل الابرز على هذا الكلام، كان "الضجة" التي احدثتها مقابلته التي أجراها مع قناة "الجزيرة"، وتطرق فيها تقريباً الى كل المواضيع. غير ان موضوعاً واحداً دون سواه استقطب الاهتمام، وهو مسألة تمديد ولايته، فغاب معه كل اسباب زيارته الى قطر ومدى نجاحها او فشلها، وحتى المواضيع الأخرى لم تلقَ الاهتمام اللازم، ومنها على سبيل المثال العلاقة مع السعوديّة.

وفي قراءة سريعة اوليّة لنتائج هذه الزيارة، يبدو أنها حققت غايتها معنوياً بكسر عون للطوق الذي يحاول ان يفرضه عدد من اللاعبين المحليين، ولم يعرف بعد ما مدى قدرة قطر على النجاح في التدخل لحلّ مشاكل لبنان الاقليميّة والدوليّة، رغم انّ كل ما قيل على لسان عون والامير تميم، يدلّ على انهما متفقان على العديد من الامور، وعلى انّ قطر ستدخل على خط مساعدة لبنان دبلوماسياً واقتصادياً. ولكن الرغبة في المساعدة شيء، والقدرة الفعليّة على المساعدة شيء آخر، فقطر لم تتقبّل بعد الحصار الذي فرضته عليها السعودية والامارات ومصر، وحتى بعد ان تخطّته واستدارت الى ايران وتركيا للمساعدة، بقيت المرارة لديها كبيرة، ولكن يبدو انها ستعوّل على قدرة سلطنة عمان في مساعدتها في هذا المجال، وامكان اعادة الكويت الى الدور الذي طالما اضطلعت به في الخليج والعالم العربي، بحيث تكون حلقة لجمع الدول وليس لترسيخ تباعدها.

وعلى خط آخر، يمكن لقطر ان تساعد بفاعليّة في قطاع الكهرباء والغاز، فيما تستمرّ اعادة اعمار مرفأ بيروت واضحة على رادارها، لتنضم الى قافلة من الدول الراغبة في تقديم نفسها في هذا المجال والمرفق. لا شك انه يمكن لقطر تقديم المساعدة في اكثر من مجال، وهي القادرة مادياً على القيام بالكثير، ولكن الامور تبقى رهن المساومات والحوارات السياسية والدبلوماسية، لذلك يعوّل البعض على الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية القطري، ولكن من دون ان تكون التوقّعات اكبر مما يجب ان تكون عليه في الواقع. ولكن العلاقات الجيدة جداً التي تحكم قطر والولايات المتحدة الاميركية، يمكن ان تعوّض عن تلك المتعثرة حالياً بين الادارة الاميركية والسلطة في السعودية، ويمكن لقطر ان تحظى بموافقة اميركية غير متوفرة للرّياض بعد، للتحرك بنشاط في المنطقة وخصوصاً في لبنان، وقد تعوّض ولو قليلاً عن التراجع الخليجي الذي شهدته بيروت في الفترة الاخيرة، وربما تكون قطر حلقة التلاقي بين الولايات المتحدة وايران، من دون ان ننسى موقعها الجغرافي كدولة خليجية باتت تكتسب أهميّة لافتة في السنوات الماضية، بعد القدرة على كسر الحصار الذي فرض عليها، ونجاحها في العودة الى الساحة الاقليمية والعربية، والخليجية بنوع خاص.

قد لا يحصد عون نتائج فورية لزيارته الى قطر، ولكنها حتماً محطة جيدة في المنظور العام، وسيحصد حتماً أيّ تقدم قد يطرأ في أي ملف او مجال، وما عليه سوى الانتظار.