لفت رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، إلى أنّ "قطر صديق دائم ل​لبنان​، ونحمد الله أنّ تاريخ العلاقات الوطيدة الّذي يعود إلى خمسينيّات القرن الماضي، لم يسجّل أيّ انتكاسة أو شائبة سياسيّة أو دبلوماسيّة. وقد كانت زيارتي قطر مناسبة لتعزيز هذه العلاقات"، كاشفًا أنّ "المحادثات مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كانت مثمرة ومهمّة، إذ استعرضنا تطوّرات الأوضاع في لبنان والمنطقة، خصوصًا وأنّ لبنان يتأثّر بما يجري في المحيط العربي والخليجي. وأطلعنا الأمير تميم على حقيقة التطوّرات اللّبنانيّة، وأبدى اهتمامه بمساعدة لبنان للخروج من أزماته وعودة الاستقرار إلى ربوعه".

وعن كون زيارته هي أوّل زيارة له بعد اندلاع الأزمة الدبلوماسيّة مع بعض دول الخليج، أوضح الرئيس عون، في حديث إلى صحيفة "الشرق" القطريّة، أنّ "هذه الزيارة إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على حرصي الشخصي وحرص جميع اللّبنانيّين على بقاء لبنان فردًا فاعلًا في الأُسرة العربيّة، وعلى إقامة أفضل علاقات التعاون والأخوّة بين أفراد هذه الأسرة، وخصوصًا بين لبنان والدول الخليجية وشعوبها".

وأكّد "أنّنا لا يمكننا أن ننسى أو أن نتجاهل الأيادي البيضاء الّتي امتدّت إلينا من دول الخليج، في الكثير من المحطّات والظروف الصعبة. ولا أن ننسى الاستضافة الكريمة الّتي يلقاها اللّبنانيّون العاملون في دول الخليج"، معربًا عن أمله أن "تنجلي هذه الغيمة الرّماديّة الّتي تخيّم في أجواء العلاقات بيننا، في أسرع وقت ممكن، من خلال الحوار والثّقة والاحترام المتبادل".

وعن دعوته المستثمرين القطريّين للاستثمار في لبنان، شرح "أنّني أظنّ أنّ الوضع الاقتصادي في لبنان مؤاتٍ للاستثمار والمستثمرين، حيث إنّ المرافق والبنى التحتية بحاجة إلى ترميم وتأهيل وتطوير، وهذه تشكّل فرصًا استثماريّةً كبيرةً"، مبيّنًا أنّ "علاقاتنا مع دولة قطر تتّسم بالصّداقة وروح الأخوّة بيننا. لطالما كان الأخوة القطريّون يتوافدون إلى لبنان للاستجمام والسّياحة، ولطالما وقفت دولة قطر بقادتها ومسؤوليها وشعبها إلى جانب لبنان في مواجهته للتحدّيات والمحن، وخصوصًا بعد حرب تموز 2006، حيث قدّمت قطر مساعدات لإعادة إعمار ما تهدّم في الحرب. كما بادرت إلى استضافة مؤتمر الحوار الوطني عام 2008، وقامت ببناء المكتبة الوطنيّة اللّبنانيّة، وهذا إنجاز كبير، وكذلك ترميم الأبنية الأثرية وإعادة إعمار عشرات المدارس والجامعات الّتي تضررت من ​انفجار مرفأ بيروت​، كما أرسلت خمسة مستشفيات ميدانية؛ وتقدّم شهريًّا أطنانًا من المساعدات للجيش اللبناني".

وركّز الرئيس عون على أنّ "قطر البلد الوحيد الّذي قدّم للبنان مساعدات ماديّة وسياسيّة ومعنويّة، من منطلق الصّداقة والاخوّة، ولم نلمس يومًا أنّ دولة قطر تسعى إلى الحصول على نفوذ ما في لبنان، أو لديها مطامع ما. وهو ما يجعل العلاقات بين دولتينا محكومة بالاحترام المتبادل، الانفتاح والتعاون الأخوي". وذكر أنّ "إلى اليوم، علاقاتنا في تطوّر مستمرّ، واللّبنانيّون القاطنون والعاملون في قطر، يشعرون أنّها وطنهم الثاني. وآمل أن تتوطّد علاقاتنا الثنائيّة في كلّ المجالات، ونواصل تعاوننا المشترك لما فيه خير بلدينا وشعبينا".

وعمّا إذا كانت الظروف مؤاتية لمؤتمر حوار وطني في الدوحة كما حدث عام 2008، رأى أنّ "في الحقيقة، لقد وصلنا في لبنان إلى مرحلة حسّاسة جدًّا وخطيرة، اقتصاديًّا وسياسيًّا، نحتاج فيها إلى لقاء عميق بين أفراد الأسرة اللّبنانيّة لرسم خريطة طريق للمستقبل، لأنّ التدهور المريع للأوضاع المعيشيّة الّذي وصلنا إليه، بات يؤثّر بشكل حادّ على قدرة اللّبنانيّين على التحمّل، وهو يهدّد بالأسوأ. لذا، أدعو إلى حوار عميق بين اللّبنانيّين، للبحث بخطوات النهوض وإعادة اللّحمة بينهم".

وبخصوص زيارة وزير خارجيّة قطر إلى لبنان، أفاد بأنّه "لم يتمّ تحديد موعد الزّيارة. لكنّ ملفّات الزّيارة كثيرة وعديدة، بدءًا من الأزمة الدبلوماسيّة مع الخليج مرورًا بالأوضاع الداخليةّ في لبنان والأزمة الاقتصاديّة، إلى جانب الاستثمارات القطريّة في لبنان، حيث كلّ مشاريع البنية التحتية ستكون مطروحة للمستثمرين القطريّين".

وعن السّبيل للخروج من الأزمة الدبلوماسيّة مع بعض الدّول الخليجيّة، أشار الرئيس عون إلى أنّ "الموقف الرسمي اللّبناني من أيّ قضيّة أو بلد أو علاقة، يعبّر عنه رئيس الدولة أو رئيس مجلس النواب أو الحكومة اللبنانية. ومواقف لبنان الرسميّة من دول الخليج، لا تعبّر إلّا عن التمسّك بإقامة أفضل العلاقات الأخويّة معها، وهذا يصحّ في الماضي واليوم وفي المستقبل. ولا شيء سيغيّر قناعاتنا على هذا الصّعيد". وتمنّى أن "تؤخذ هذه الحقيقة في الاعتبار، ولا يتمّ بناء المواقف واتخاذ الإجراءات ردًّا على مواقف غير رسميّة، أو آراء لا تلزم الدولة اللبنانية، ولا تعبّر حتّى عن قناعات أغلبيّة الشعب اللبناني".

وشدّد على أنّ "السّبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو بالحوار البنّاء بيننا، وبالنّقاش، وعودة العلاقات الدبلوماسيّة إلى طبيعتها. لقد كنت واضحًا منذ اليوم الأوّل لبداية الأزمة، بأنّني لا أكنّ إلّا كلّ الاحترام والتقدير والامتنان لدول الخليج على مواقفها الدّاعمة للبنان، ومساندتها لبلدنا، واحتضانها للّبنانيّين. وأعود وأكرر هنا مواقفي".

وأوضح أنّ "لا علاقة لهذه الأزمة برغبة المغتربين المقيمين في الخليج بالاقتراع في ​الانتخابات النيابية​ المقبلة. لقد سبق وسجّلوا للمشاركة في الانتخابات، وهذا أحد أهمّ حقوقهم في النظام الديمقراطي، أعتقد أنّ الاقتراع واجب ومسؤولية يجب ممارسته بالتزام إذا كان اللّبنانيّون، مقيمون ومغتربون، يرغبون حقيقةً بالتغيير. أمّا على الصعيد اللوجيستي، فالأزمة لا تؤثّر على إمكان الاقتراع في الخارج".

وعمّا إذا كان مطمئنًّا إلى إجراء الانتخابات رغم ما يُشاع عن احتمالات تعطيلها، لفت الرئيس عون إلى "أنّنا اتّخذنا قرارًا وطنيًّا جامعًا بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لأنّ هذا الاستحقاق هو على رأس حقوق اللّبنانيّين في اختيارهم لممثّليهم في الندوة البرلمانيّة، والمدماك الرئيسي في الحفاظ على سلامة الحياة الديمقراطيّة في لبنان. لن نعيد عقارب تعطيل الانتخابات والاستحقاقات الدّستوريّة إلى الوراء، واللّبنانيّون يستحقّون أن يقولوا كلمتهم في مسار تغيير الواقع الأليم الّذي وصلنا إليه؛ وذلك لا يكون إلّا عبر بوّابة أساسيّة هي بوّابة الانتخابات النيابية. لذا أؤكّد من جديد حرصي الشّديد على إجراء هذا الاستحقاق في موعده، ومواجهة أيّ محاولة لتعطيله عن قصد وبسوء نيّة، أو لأيّ سبب آخر".

وبيّن "أنّني لا يمكنني أن أتوقّع في أيّ اتجاه ستذهب أصوات المغتربين، ولكنّني آمل منهم ومن أبناء وطني جميعًا، أن يفكّروا مليًّا بمصيرهم ومستقبل أبنائهم قبل أن يدلوا بأصواتهم. عليهم أن يضعوا في الميزان تداعيات السّنوات الثّلاثين الماضية، الّتي حكمت فيها طبقة سياسيّة توزّعت المغانم والحصص من تحت الطاولة وفوقها، دون محاسبة"، متسائلًا: "هل يتحمّل لبنان التجديد لهذه الطبقة، بعد الانهيار الّذي حصل، والدّرك الّذي وصلت إليه الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة؟ هذا هو السّؤال الأساسي الّذي يجب على كلّ مقترع أن يسأله، قبل أن يدلي بصوته".

وعمّا إذا ستكون هناك مشاركة ورقابة دوليّة لنزاهة الانتخابات النيابية، ذكّر بأنّ "في الانتخابات النيابية الأخيرة الّتي جرت في عام 2018، شكّل الاتحاد الأوروبي بعثةً لمراقبة الانتخابات في لبنان، وقد أبدى اليوم أيضًا رغبته بالقيام يهذا الدور، وبالطبع فإنّنا نرحّب بذلك، لكي تكون جميع الجهات في لبنان، إضافةً إلى المجتمع الدولي، مطمئنين إلى مسار العمليّة الانتخابيّة".

كما أكّد رئيس الجمهوريّة "أنّني لا أرى أيّ سبب منطقي لتأجيل الانتخابات النيابية، أمّا بالنّسبة إلى ​الانتخابات الرئاسية​ فأنا سأعمل من جهتي على توفير كلّ الظّروف لإجرائها، وإذا حالت أيّ اعتبارات دون حصول الانتخابات لا سمح الله، فلا فراغ، لأنّ الدستور لحَظ مثل هذا الاحتمال، إذ أنّ مجلس الوزراء يتولّى مجتمعًا ممارسة صلاحيات رئيس الجمهوريّة. ومع الأسف، مررنا في حالتين مماثلتين في العامين 2007 و2014، وتولّت الحكومة القائمة في حينه المسؤوليّة". ونوّه إلى "أنّني لكن أكرّر القول بأنّي لن أدّخر جهدًا حتّى يتأمّن الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري".

وعن تصريحاته حول التمديد الّتي أثارت جدلًا، فسّر "أنّني تحدّثت أنّ لبنان شهد التمديد بعد اتفاق الطائف لرئيسين، هما إلياس الهراوي وإميل لحود. وقلت إنّني لن أسلّم الرئاسة للفراغ. وبدأ المذيع يطرح احتمالات إذا لم يحصل كذا ولم يحصل كذا، فما هو الحل الأخير. فقلت عندما تنتهي رئاستي تنتقل الرئاسة إلى رئيس آخر. وإذا لم يُنتخب رئيس، هناك حكومة تتولّى الحكم حتّى انتخاب رئيس. ثمّ طرح سؤالًا وإذا لم تحكم الحكومة، قلت له هناك حل واحد وهو تعديل الدستور والتمديد للرئيس. كلّ القصّة أنّني كنت أطرح جميع الاحتمالات الممكنة عندما تنتهي ولايتي، ولم أكن أتحدّث عن خياراتي ورغبتي هي احتمالات وليس أكثر".

وشدّد على أنّ "للأسف، بلغ التجاذب السياسي في لبنان حدًّا مخزيًا، مع تجاهل بعض اللّاعبين السّياسيّين لأدنى واجباتهم تجاه الشعب الّذي ائتمنهم على مصيره، وقوت أولاده، وأمان غده. كرئيس للجمهوريّة، أسعى مع الجميع لتقريب وجهات النّظر، وتفعيل العمل الحكومي، بعد أن عاش لبنان بدون حكومة ما يفوق السّنة في خلال السنتين الماضيتين". وسأل: "كيف يمكن اتخاذ القرارات، ووضع الخطط، ونيل ثقة اللّبنانيّين والمجتمع الدولي، بغياب حكومة تضع الخطط الإنقاذية، وتسعى إلى تنفيذها؟ أقول لجميع الأفرقاء: كفى تلاعبًا بحياة اللّبنانيّين. حكّموا ضمائركم وتعالوا إلى كلمة تضامن ووحدة، ننقذ فيها وطننا ونعيد الكرامة إلى الشعب، ونبني اقتصادنا الوطني من جديد على أسس سليمة".

وعن كيفّية الخروج من عنق الزجاجة على المستوى المعيشي، ركّز الرئيس عون على أنّ "هناك من يجب أن يتحمّل مسؤوليّة الأزمة الاقتصاديّة، الّتي هي نتيجة تراكمات سياسيّة قادت لبنان إلى هذا الواقع. نحن نجري حاليًّا محادثات مع ​صندوق النقد الدولي​ للحصول على قروض طويلة الأمد، تمكّننا من إنعاش الاقتصاد وضخّ الرّوح في الدورة الاقتصاديّة".

وبموضوع مصير ودائع الناس في المصارف، وعمّا إذا هي مرتبطة بالتدقيق الجنائي، أفاد بـ"أنّني قد دعوت من بداية الأزمة، إلى وضع خطّة متكاملة وواضحة لهذا الموضوع وقوننته، ووضع إطار عملي لاستعادة اللّبنانيّين ودائعهم من المصارف، ويجري حاليًّا دراسة وتقاسم الخسائر بين المصارف ومصرف لبنان والدولة والمودعين، لكنّني أصرّ على عدم تحميل المودعين المزيد من الخسائر، ويجب إعادة هيكلة المصارف لضمان جودة عملها في المستقبل". ولفت إلى أنّ "هناك اقتراح قانون متعلّق بالـ"كابيتال كونترول" في مجلس النواب، ونأمل أن يتمّ إقراره، لأنّه يشكّل خطوةً على طريق حلّ مشكلة الودائع. كما آمل أن تواصل الحكومة الحاليّة جهودها في هذا الاتجاه".

وذكر أنّ "الحكومة الجديدة قد ارتأت أن تعيد درس بعض التفاصيل المتعلقة ب​البطاقة التمويلية​، لإصدارها على أسس أكثر وضوحًا، وهي ستصدر في وقت قريب جدًّا". وعن سبب انحصار جهود الدولة لمعالجة الأزمة الاقتصاديّة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أوضح أنّه "حين يكون الإنسان متألّمًا فهو بحاجة أوّلًا إلى مسكّن لتخفيف الألم، ومن ثمّ بدء العلاج".

وأعلن أنّ "المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هدفها الحصول على دعم سريع وموقّت لتلبية الحاجات الملحّة للّبنانيّين، لأنّ أيّ خطّة اقتصاديّة ستوضع لمعالجة الأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة للبنان، يحتاج تنفيذها إلى وقت طويل، وليس بمقدور النّاس الّذين تدنّى مدخولهم بشكل مريع، وباتوا عاجزين عن تأمين الخبز والدواء والتعليم لأبنائهم، أن ينتظروا تنفيذ خطط النهوض. لكن هذا لا يعني الاكتفاء بخيار المفاوضات مع البنك الدولي في هذه المرحلة، وتكتيف الأيدي. وعلى الحكومة أن تعمل في الوقت نفسه على إطلاق خطة اقتصاديّة شاملة بالتزامن مع هذه المفاوضات".

وعن مانع تأسيس صندوق لدعم لبنان، تساهم فيه الدّول الشّقيقة والصّديقة والمغتربون الأثرياء، لفت الرئيس عون إلى أنّه "سبق أن كان لدينا مبادرة فرنسيّة الّتي عُرفت بمبادرة "سيدر"، إنّما حصل تأخير في تنفيذ الالتزامات من قبل حكومة سعد الحريري، ثمّ جاء الحراك الشعبي وتوالت الأحداث، ولم تتمكّن الحكومات المتعاقبة من الوفاء بالالتزمات للحصول على مساعدات "سيدر". ومنذ عام 2018، لم تتّخذ الحكومة اللّبنانيّة مبادرةً حقيقيّةً لتنفيذ الخطوات المطلوبة للحصول على تلك المساعدات، وهكذا تجمّدت المبادرة الفرنسية".

وشرح أنّ "من جهتها، حاولت الحكومة الجديدة منذ انطلاقها استعادة ثقة المجتمع الدولي، وبدء ورشة العمل الجدّي لوقف التدهور الاقتصادي، والانطلاق بمرحلة النهوض. ولكن مع الأسف، تعرّضت لنكسة سريعة من جرّاء التّجاذبات السّياسيّة ومقاطعة جلساتها. لا يجوز لأيّ فريق أن يلجأ إلى التعطيل في وقت تحتاج فيه البلاد إلى إنقاذ سريع، ولكن هذا لا يمنع أن تقف البلدان الصّديقة والشّقيقة إلى جانبنا في هذه المرحلة، لأنّ بإمكانها أن تفعل الكثير للشعب اللبناني، على الصعيد المعيشي، التربوي، الإنساني وغيره".

من جهة ثانية، جزم أنّ "لا شكّ أنّ انفجار مرفأ بيروت هو مأساة حقيقيّة للبنان، وناديت منذ اليوم الأوّل لوقوعه بوجوب إحقاق العدالة، لأنّ النّاس يستحقّون معرفة ما حصل ومن يتحمّل المسؤوليّة عن سقوط الشهداء والجرحى والخسائر الفادحة بالممتلكا"، مؤكّدًا أنّ "نعم، يحتاج القضاء إلى إصلاح، وقد عملت منذ تولّي منصبي على تشجيع الجسم القضائي كي يصلح نفسه بنفسه، لإيماني أوّلًا بمبدأ فصل السلطات، وثانيًا بأنّ القضاء هو أساس أيّ تغيير حقيقي لارساء دولة القانون والمؤسسات، وتغيير المفهوم السائد، وهذا من شأنه أن يضع حدًّا لأيّ محاولة لل​سياسة​ في التدخّل بعمل القضاء وبشؤونه، فيعود المرجع الصالح للبتّ بكلّ دعاوى المواطنين وشكواهم".

وعمّا إذا كان القرار الظنّي سيحقّق العدالة، أم أنّ العدالة ما زالت بحاجة إلى استقرار سياسي، رأى أنّه "لا يمكن أن تنتظر العدالة شيئًا أو أحدًا، وبالتّالي لا يجب وضع شروط لتطبيقها. وعلى الرغم من أهميّة الاستقرار السّياسي، إلّا أنّه لا يجب أن يفرض نفسه على تحقيق العدالة، لا بل العكس هو الصحيح، وحين تسود العدالة يتعزّز الاستقرار على الصعد كافّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة". وبيّن أنّ "على التّحقيق أن يأخذ مجراه، وقد تسلّمنا منذ أيّام من روسيا، مشكورة، صور الأقمار الصناعيّة عن مرفأ بيروت قبل الانفجار وبعده، وكنت قد طلبت من كلّ الدول الّتي تملك مثل هذا النّوع من الصّور، أن تزوّدنا بها لتسليمها للقضاء المختص، كي يستفيد منها ويبني قراراته على ما توفّره الصور من معلومات قيّمة".

وركّز الرئيس عون، بموضوع الإشكاليّة الحاصلة هو صلاحيّات المحقق العدلي وصلاحيّات مجلس النواب، أنّ "هذه الإشكاليّة يستطيع البرلمان أن يفصل فيها. وقد نجد خلافًا في الرّأي حول هذه النّقطة داخل مجلس النوّاب، لكنّ الأغلبيّة هي من تقرّر. ونحن يجب أن نلتزم برأي الأكثريّة البرلمانيّة، سواء أقرّت حقّ المحقّق العدلي في إجراءاته، أو قرّرت حصر صلاحيّات محاكمة الوزراء والنواب والمسؤولين في محكمة البرلمان". وعمّا إذا توقّع جلسة قريبًا لمجلس النواب لحسم الموضوع، أجاب: "نعم صحيح".

إلى ذلك، أشار إلى "أنّنا عانينا في لبنان، وللأسف، من مصائب وويلات كثيرة، الا انه والحمد لله، تمكنا من الحفاظ على الاستقرار الامني في احلك الظروف واصعبها، وذلك باعتراف دول العالم. توقع الكثيرون ان يعاني لبنان من اهتزاز وفلتان امني جراء الحرب السورية التي ادت الى عدم استقرار في الشرق الاوسط ككل، ولكننا تخطينا هذا الامر بنجاح. ومع انتشار تنظيم "داعش" الارهابي وتهديده لعدد من الدول، وظهوره في لبنان ومحاولة تمدده، تمكن الجيش اللبناني من القضاء عليه في معركة "فجر الجرود"، واحبط كل محاولاته في إقامة امارة له في لبنان، ونشر اجرامه في المنطقة".

وأوضح "أنّنا اليوم، لا نزال نحافظ على استتباب الوضع الأمني، بغضّ النّظر عن الصعوبات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطنون، ومنهم عناصر الأجهزة العسكرية والامنية، ونحن لم ولن نتوقف عن دعم هذه الاجهزة كي تقوم بواجبها، وتطمئن المواطنين والوافدين بأن لبنان بلد آمن من الناحية الأمنية".

وعن تسجيل الدراسات الاحصائية ارتفاعا بمعدل الجريمة في لبنان، ذكر أنّ "من الطبيعي عند اشتداد الأزمات الاقتصادية والمالية، ان ترتفع معدلات الجريمة وفي مقدمتها السرقة، وهذا وضع معروف في كل دول العالم وليس فقط في لبنان. ولكن الاجهزة الامنية تعمل ليل نهار من اجل ضمان عدم تفلت الاوضاع، وهي غالباً ما تكشف ملابسات هذا النوع من الجرائم في وقت قياسي، فتعتقل الفاعل وتسلمه الى الاجهزة القضائية المعنية، وهو امر يستحق الاشادة، كما انها تقوم بعمليات استباقية في معظم الاحيان لدرء خطر المجموعات المخلة بالامن". ونوّه إلى "أنّنا يجب ألا ننسى تأثير تواجد اكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري على الأرض اللبنانية، وفي ظل الازمة التي يعيشها لبنان، يعمد قسم منهم الى القيام باعمال مخلّة بالامن بحيث اثبتت الاحصاءات ان غالبية المعتقلين هم من النازحين المتواجدين في لبنان".

وشدّد الرئيس عون على أنّ "أحداث الطيونة شكّلت مرحلة حرجة بالنسبة الى لبنان، ولكن بفضل تدخل الجيش والقوى الامنية، تمت السيطرة على الاوضاع ميدانياً، كما اجريت شخصياً اتصالات بالجهات المعنية من اجل ضبط الامور والحد من تدهورها. ولكن ليس هناك من عودة الى الحرب، لانه لا احد يرغب في ذلك، ولن نسمح بحصولها، فقد عانينا منها وشهدنا تأثيرها، وبذلنا جهوداً كبيرة لتخطيها وإعادة الامور الى ما كانت عليه قبل اندلاعها، ولا يمكن تصور عودة المشاهد الفظيعة التي عاينّاها سابقاً ووضع حدود بين اللبنانيين للتنقل من منطقة الى اخرى، فأنا كنت اطلقت شعار "لبنان اكبر من ان يُبلع وأصغر من ان يُقسّم" ولا ازال متمسكاً به، واذا ما عادت الحرب سيفقد لبنان هويته وستفقد المنطقة ككل استقرارها وثباتها. لذلك، اطمئن إلى أنه لا عودة إلى الحروب في لبنان".

وبموضوع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، بيّن "أنّنا قبلنا بأن تكون الولايات المتحدة الأميركية راعية للمفاوضات غير المباشرة بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي في مسألة ترسيم الحدود البحرية، وقد حصلت اجتماعات عدة في هذا الموضوع. ووفق المفهوم العام للتفاوض، فإن كل جانب يضع الشروط التي تناسبه، ويتم بعدها الوصول الى ارضية مشتركة ترضي الجميع، ونحن ابلغنا الجانب الأميركي بشروطنا وننتظر ما سيحمله الينا من جواب اسرائيلي عليها، لمعرفة ما ستكون عليه المرحلة المقبلة من هذه المفاوضات غير المباشرة". وأبدى أمله "خيراً بأن نحصل على حقوقنا، ولسنا بوارد التفريط بثروتنا المائية والنفطية التي نحن بأمس الحاجة اليها، ونعتبرها عنصراً اساسياً في خروجنا من أزمتنا الحالية. نحن مع المفاوضات ولكن لن نتخلى عن حقوقنا".

وعن من يقول إن عدم توقيع المراسيم يهدر مساحات كبيرة من حقوق لبنان في حدوده البحرية، رأى أنّ "من تصدر عنه مثل هذه الأقاويل، لا يعرفنا ولا يعرف اصرارنا وثباتنا في الدفاع عن حقوقنا حتى النقطة الأخيرة من مياهنا، فكما كنا عازمين على عدم التفريط بحدودنا البرية، نحن مصرون كذلك على الحفاظ على كل نقطة من مياهنا وفق ما تسمح به القوانين، وما تحدده الخرائط الدولية التي درسناها بتمعن وتأنٍ. ونحن نطمح الى زيادة حصتنا من المياه وليس الى التقليل منها. فليطمئن القلقون والغيارى على المصالح اللبنانية، لاننا كنا وسنبقى أول من يدافع عن هذه الحقوق وآخر من يتخلى عنها".

وأكّد أنّ "لا شك ان الخلافات السياسية القت بظلها على الملف، كما ان تواجد اسرائيل (وهي دولة عدوة للبنان) على الحدود، لا يسهّل الامور بل يزيدها تعقيداً. ولكنني عزمت على استغلال الثروات النفطية اللبنانية، وتمكنت بعد جهد كبير من انجاز المراسيم اللازمة واستدراج العروض للتنقيب عن الغاز والنفط، في وقت كانت هذه الثروات قابعة في باطن المياه اللبنانية لسنوات تنتظر من يكتشفها. وبالفعل، بدأت الشركات الأجنبية عملها في هذا المجال، الى ان توقفت الامور للاسباب المعروفة. طبعاً ان الملف مرتبط بالوضع السياسي الاقليمي، لذلك نسعى الى تسريع الخطى من اجل تذليل كل العقبات التي تمنع معاودة العمل في هذا الملف، فلبنان توّاق الى البدء باستغلال ثرواته الطبيعية".

وأعرب عن أمله أن "يشهد هذا الملف نهاية سعيدة، وفي اسرع وقت ممكن، خصوصاً وان الارضية جاهزة للسير به الى النتائج المرجوة، كي ينضم لبنان عاجلاً وليس آجلاً الى نادي الدول النفطية. وبالامس، حدد وزير الطاقة والمياه وليد فياض مهلة إطلاق دورة التراخيص الثانية لاستكشاف الثروة النفطية والغاز بمياهنا الإقليمية، وهو امر بالغ الاهمية ويشير الى اننا لا نقف مكتوفي الايدي، بل على العكس نعمل كل ما يلزم في هذا المجال، كما أننا نرغب في الاستفادة من الخبرات القطرية الكبيرة في هذا المجال، وهي امور بحثها الوزير فياض في قطر، كونه ضمن عداد الوفد الوزاري المرافق".

وأعلن رئيس الجمهوريّة أنّ "لدي قناعة بأن لبنان وصل اليوم الى مفترق تاريخي في وجوده، ولا يمكن البناء على ما كان يجري في الماضي وتوقع الحصول على نتائج مختلفة. لبنان بحاجة الى ذهنيات جديدة في الحكم، والاهم الى انتاج نظام سياسي جديد يلغي الطائفية السياسية ويؤسس لحكم مدني، لأن الطائفية السياسية كانت ولا زالت علة لبنان الأساسية، ومصدر ضعفه، وكذلك مصدرا أساسيا للتعطيل السياسي. الحلول الحقيقية للأوضاع في لبنان، لا يمكن إلا أن تكون جذرية هذه المرة، وإلا سنظل ندور في حلقة مفرغة من الصراعات، والتجاذبات، والانهيار الاقتصادي. وحين أتحدث عن الحل الجذري، البداية تكون في صناديق الاقتراع لإنتاج طبقة سياسية جديدة، ومن ثم اطلاق حوار وطني جامع، يعيد التأكيد على موقع لبنان ورسالته، ويرسم خريطة طريق للمستقبل".

وعمّا إذا يمكن أن تشهد السنة الأخيرة من عهده إطلاق مبادرة غير تقليدية، وَجد أنّ "المهم في اللحظة الراهنة أن نعيد الحركة إلى النشاط الحكومي، ونقف إلى جانب اللبنانيين الذين تحولوا الى شريحة من الفقراء والمعوزين، في فترة قياسية. أي مبادرة لن يكتب لها أن تبصر النور، اذا لم يتلاق اللبنانيون على انقاذ بلدهم. والى اليوم، يظهر البعض استعدادا لحرق غابة بأكملها لاشعال سيجارته. وأنا أقول للجميع بالفم الآن، الكل سيدفع الثمن، ولا احد سيكون بمنأى عن تداعيات هذا الانهيار. واقول للبنانيين قولاً أخيرا، وقبل الوصول الى صناديق الاقتراع: حاسبوا من أساء إلى الوطن واخطأ بحقه وبحقكم أولاً قبل أن تحاسبوا الآخرين. وبعدها سيكف هؤلاء عن استغلالكم وجعلكم وقوداً لمصالحهم الخاصة".

كما ركّز على أنّ "الحلّ في لبنان لم يعد داخل لبنان. المشاكسات السياسية التي تحصل تعرقل الحلول الجذرية، لكنها لا تؤثر على الحلول الاقتصادية المالية فهي تمضي بمسار مختلف، لأنه يخضع الى المفاوضات مع البنك الدولي وصندوق النقد. أما الخلافات السياسية فهي مسؤولية اللبنانيين الذين عليهم الحوار والتفاهم لتسوية الخلافات".

وعمّا إذا نحن بحاجة إلى دستور جديد أو دوحة 2 أو طائف جديد، فسّر أنّ "في البداية، يجب ان نعمل على الاستقرار في الحكم، حتى يحصل الحوار بهذا الشأن "على البارد وليس على الحامي" وتحت الضغط. نحن لسنا في معركة ننتظر حسمها لتقرير النتائج. لدينا مجلس نواب قادر ان يطرح مشاريع القوانين والتعديلات المطلوبة ويمكن اقرارها وفقا للأصول البرلمانية. لكن حاليا لم يطرح الموضوع بشكل جدي ربما هناك بعض الأشخاص يتداولون في هذا الموضوع بعيدا عن أجهزة الصحافة والإعلام".

وبمسألة تحميل الحراك الشعبي، رئاسة الجمهورية المسؤولية، لفت إلى أنّ "من الطبيعي ان عامة الشعب ليست على علم بنصوص الدستور والقوانين مثل أهل الاختصاص. الكثير من الناس لم يدرسوا القوانين. والانطباع العام أو الصورة الذهنية لدى عامة الشعب أن المسؤول عما يحدث هو الرئيس بدون التدقيق إذا كان ذلك يقع ضمن مسؤوليته. ولذلك كنا نسمع في الشارع العهد وكأن العهد بيده كامل الصلاحيات في الحكم، بينما واقع الأمر ان السلطة التنفيذية بيد الحكومة والسلطة التشريعية بيد مجلس النواب".

وبيّن الرئيس عون أنّ "السلطة القضائية بيد القضاء، وبالتالي عمل انظمة الحكم يخضع الى فصل السلطات واستقلالية كل سلطة عن الاخرى. اما العمل المشترك بين السلطات فهو محدد بشكل واضح في الدستور. وهذا ما يمكن ملاحظته في قضية التحقيقات بقضية انفجار المرفأ. فمثلا من موقعي كرئيس جمهورية لا أتدخل في التحقيق وفي عمل القضاء. لأن القضاء سلطة مستقلة وانا واجبي ان احافظ على استقلال القضاء".

وذكر أنّ "وفقا للدستور، فإن صلاحيات رئيس الحكومة واسعة وهو مسؤول عن كل شيء تنفيذي بالدولة، بينما رئيس الجمهورية مسؤول عن تطبيق الدستور والقوانين. وهذا ما أقوم به عندما الاحظ اي شطط في قانون أرسله الى المجلس الدستوري للنظر به. الدستور ينص على ان رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة يؤلفان الحكومة. بينما رئيس الجمهورية مكلف بالمعاهدات الخارجية. ولا يوجد أي تجاوز أو مس بصلاحيات رئيس الحكومة. وقد تعرضت لاتهامات بأنني أسعى لجعل الحكم رئاسياً وهذا مجافٍ للحقيقة. انا اطبق الدستور والتزم بالصلاحيات المحددة، بدون اي كلمة بالزايد أو كلمة بالناقص".

كما أشار إلى أنّ "عمل حاكم مصرف لبنان مستقل ومسؤوليته ان يحافظ على المال العام. وهذا الأمر حصل فيه اخطاء كبيرة، وقد تعرض لضغوط من الحكومة ومن مجلس النواب للحصول على قروض. وهي مشكلة معقدة ولذلك قررنا فتح تدقيق جنائي، وهذا يحدد الاخطاء والمسؤوليات في الهدر أو تسريب الأموال، وهذا أول تحقيق من نوعه بتاريخ الجمهورية اللبنانية. لأول مرة يتم التدقيق جنائيا بحسابات مصرف لبنان".

وعمّا إذا كان يؤكّد أنّه لن يتم استثناء أحد من المسؤولين، إذا ثبتت إدانته في التحقيق الجنائي، شدّد على "أنّني عملت على مدى سنة ونصف السنة لإزالة العقد من امام التحقيق، وقد بدأ التحقيق وسوف تتم محاسبة كل من يدينهم التحقيق حتى لو كانوا مسؤولين كباراً ولن يتم استثناء أحد".

وعمّا إذا كان يعتقد أنّ "​حزب الله​" أصبح عقبة اساسية في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، شرح أنّ "في واقع الأمر، الوضع في لبنان يحتاج الى استقرار داخلي. كل شيء مطلوب من حزب الله يلتزم بتنفيذه، ولم يتجاوز بنود قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الّذي أقر عندما كانت قطر رئيسة مجلس الأمن والتزامه بهذا القرار كاملا. وعلى الصعيد الداخلي في لبنان، فإن الاستقرار الأمني هو الأساس. أما المظاهرات التي يشهدها لبنان فهي حراك طبيعي يحصل في جميع دول العالم، فالمظاهرات هي بوجه الجوع، وأنا مستعد للتظاهر معهم".

وأكّد أنّ "لبنان ليس خارج المنطقة، ويتأثر بكل ما يجري في المنطقة وفي البلاد العربية. الضغوط الخارجية تمارس على جميع الأفرقاء في لبنان، وهذا الأمر ليس على لبنان فقط، بل معظم دول المنطقة تتعرض لضغوط خارجية، حيث الجميع يتابع الصراع على مناطق النفوذ بين الدول الكبرى وكذلك المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني".