كما كان متوقعاً، نجح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مجدداً في ان "يمون" على ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في ما خص المسألة اللبنانية. فبعد ان تكللت مساعيه بالنجاح في الافراج عن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عام 2017.

اليوم، نجح ماكرون في الافراج عن لبنان الذي حاصرته السعودية وبعض دول الخليج، بسبب ما بات يعرف بأزمة الوزير جورج قرداحي، وكانت التهديدات تتصاعد وتطول في ظلّ ازمة خانقة يعاني منها لبنان.

ولكن، كيف نجح ماكرون في استعادة النفوذ الفرنسي في لبنان؟ الجواب على هذا السؤال تولّته مصادر متابعة فأوضحت أنّ صفقة لاحت في الافق بين فرنسا والولايات المتحدة، لارضاء باريس التي شعرت انها طعنت من قبل حليفتها في مسألة صفقة الغواصات لاوستراليا، وانه كان لا بد من التعويض عليها بطريقة ما. وتضيف المصادر ان العقود التي ابرمها ماكرون في الخليج لا يمكن ان تحصل لولا موافقة مباشرة من الادارة الاميركية، فكانت هذه الخطوة بمثابة "جائزة الترضية" الاميركية لفرنسا. وبفعل هذا التنسيق، استغل الرئيس الفرنسي الوضع ولعب ورقة لبنان مع السعوديّة، التي، على الرغم من انها لا تزال تنتظر الرضى الاميركي عليها، قبلت بالتدّخل الفرنسي، علّه يفتح لها ابواب اميركا، كما انّه قد يؤسّس لخطوط جديدة مع القارة الاوروبيّة.

كل ذلك انعكس بشكل ايجابي على لبنان، فكانت الخطوة الاولى استقالة قرداحي (وهو الذي اعلن ان ماكرون كان طلب هذا الامر من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي)، وكانت سبقتها خطوة رئيس الجمهورية التنسيق مع قطر للقيام بشيء ما، وتلتها زيارة ماكرون بنفسه الى الرياض.

في لعب الامم هذه، تسقط الاسباب الكامنة وراء اي قرار اتخذ او يمكن اتخاذه، وعليه، سقطت كل الذرائع والحجج التي اُعطيت من قبل السعودية لفرض الحصار على لبنان، فيما واقعياً لم يتغيّر شيء في الاوضاع السائدة في لبنان والمنطقة. ومما لا شك فيه، ان السعودية قبضت ثمن العودة عن قراراتها، والارجح ان ولي العهد السعودي هو المستفيد الاول من تداعيات هذا التراجع، وقد يكون تعهّد فرنسا بالاضطلاع بدور بارز لتقريب المسافات بينه وبين الرئيس الاميركي جو بايدن. على اي حال، ضرب ماكرون من جديد من البوابة اللبنانيّة، وتمكّن بفضل اللعبة السياسية والدبلوماسية التي مارسها، ان يستعيد النفوذ الفرنسي على الورقة اللبنانيّة بعد ان كان قد فقد معظمها في الفترة الاخيرة، وهو يعمل من دون شك، على اعادة الحياة الى مجلس الوزراء، عبر التمسّك بميقاتي اولاً، واجراء بعض الاتصالات مع جهات اقليميّة ودوليّة لفكفكة العقد التي تحول دون التئام الحكومة مجدداً. ومع اقتراب موعد الانتخابات الفرنسيّة، يزداد نشاط ماكرون في لبنان، وهو يريد بالفعل تسجيل انتصار دبلوماسي في هذا البلد يكسبه نقاطاً مهمة في الداخل الفرنسي، بعد ان استعاد بعض هذه النقاط بفعل الصفقات التي عقدها في الخليج للتعويض عن خسائر اتفاق الغوّاصات غير المنجز مع اوستراليا.

اما لبنان، فعليه معرفة كيفية الاستفادة من هذا التحرك، عبر تسهيل الامور وليس زيادة تعقيدها، فالنافذة المفتوحة ستبقى كذلك انما لوقت محدّد، والرغبة الفرنسيّة في الاسراع في حلحلة الامور يجب الا تذهب سدى كما حصل حين اعلن ماكرون مبادرته الشهيرة في بيروت. واذا ما صدقت النوايا والتسويات الخارجية، فإن التحرك الفرنسي هذه المرة لن يكون عبثيّا، وسيحمل مع نهاية هذه السنة، وفق التوقعات، وضع لبنان على سكّة وقف التدهور والبدء بمرحلة النهوض، ولو انّ المسيرة طويلة وشاقّة، الا انه لا بد من القيام بالخطوة الاولى على طريق الالف ميل. عصافير كثيرة ضربها ماكرون بحجر زيارته الى السعوديّة، فهل سيعرف لبنان الاستفادة من هذا الامر؟.