إذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد نجح في الإستحصال من لبنان على "دُفعة أولى على الحساب"-إذا جاز التعبير، عبر إستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، لينطلق منها مُحاولاً إعادة العلاقات اللبنانيّة-الخليجيّة إلى سابق عهدها، تردّد أنّ إستقالة القرداحي بحدّ عينها، هي عبارة عن "دفعة أولى على الحساب" قدّمها "الثنائي الشيعي"، للإنطلاق منها لإنجاح صفقة سياسيّة-قضائيّة يُعمل على إنجازها، وتقضي بعودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد وإعادة تأخير موعد الإنتخابات النيابيّة إلى أيّار مُجدّدًا، في مُقابل تشذيب أجنحة المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار المرفأ القاضي طارق البيطار بشكل نهائي! فهل هذا صحيح، وإذا كان فعلاً كذلك، كيف ستكون الإرتدادات على الأفرقاء المَعنيّين بهذه الصفقة؟.

إذا كانت مُذكرة الطعن بتعديلات قانون الإنتخاب، والمُقدّمة من قبل تكتّل "لبنان القوي" قد سلكت طريقها القانوني، وبلغت مرحلة قيام المجلس الدُستوري بدراسة ومُذاكرة هذا الطعن إعتبارًا من اليوم الإثنين، على أن يصدر القرار النهائي في خلال الشهر الحالي، فإنّ هناك أكثر من مُحاولة قائمة لأن يكون حلّ مُشكلة عدم إنعقاد مجلس الوزراء على يد مجلس النوّاب الذي يعقد غدًا الثلاثاء جلسة تشريعيّة، حتى ولوّ من خلال إضافة بند من خارج جدول الأعمال. ويُوجد حديث مُتزايد عن أنّ "الثنائي الشيعي" يسعى لتمرير هدفه القاضي بإزاحة القاضي طارق البيطار، عن ملف إنفجار المرفأ، أو إلى قصّ أجنحته فيه-لا فرق، من خلال تعويم وتبنّي صيغة المجلس الأعلى لمُحاكمة الرؤساء والوزراء والنوّاب، أي عمليًا منع مُحاكمة أيّ من هؤلاء خارج هذا المجلس، وبالتالي فصل ملفّ مُلاحقة الرؤساء والوزراء والنوّاب عن بقيّة ملفّات المُحقّق العدلي بغطاء قانوني. وإذا لم يحصل هذا الأمر الثلاثاء، فإنّ هذا المطلب سيبقى قائمًا، إلى أن يتم تحديد موعد جديد له في المُستقبل.

والكلام كثير عن إتفاق "تحت الطاولة" ينصّ على تمرير مسألة اللجنة النيابيّة للتحقيق مع المسؤولين الرسميّين، في مُقابل تمرير مسألة سير "المجلس الدُستوري" بالطعون المُقدّمة وعودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع، وأنّ الخلاف المُتبقّي هو على التفاصيل فقط، وتحديدًا لجهة إستعداد نوّاب تكتّل "لبنان القوي" لتأمين نصاب جلسة مجلس النوّاب المُخصّصة للتصويت على خيار اللجنة النيابيّة لمُحاكمة الرؤساء والوزراء والنوّاب، لكن على ألاّ يُشارك نوّاب "التيّار الوطني الحُر" بالتحديد ضمن هذا التكتّل الذي يضمّ أيضًا نوّاب حزبي "الطاشناق" و"الديمقراطي اللبناني"، بالتصويت إيجابًا على هذا الأمر. وليس بسرّ أن خُصوم "التيّار" على الساحة الإنتخابيّة "ناطرينو على الكُوع"-كما يُقال باللغة اللبنانيّة العاميّة، حيث أنّ إنخراطه بأيّ صفقة سياسيّة قضائيّة من هذا النوع، حتى ولوّ من خلال تأمين النصاب فقط، ومن دون التصويت إيجابًا عليها، سيفتح عليه وابلاً لا ينتهي، من الهجمات السياسيّة والإعلاميّة التي تهدف إلى إضعافه إنتخابيًا.

ومن المَعروف أنّه بعد إستقالة ووفاة جزء لا يُستهان به من نوّاب المجلس، وفي ظلّ موقف حزب "القوات اللبنانيّة" المُعارض من داخل المجلس، والذي قد يُلاقيه أيضًا عدد من النوّاب الآخرين من خارج عباءة "الثنائي الشيعي"لإعتبارات سياسيّة أو إنتخابيّة، إنّ مُشاركة نوّاب "تكتّل لبنان القوي" ضروريّةلتأمين الغطاء السياسي المعنوي، وليس فقط لدواعٍ عملانيّة مُرتبطة بالنصاب القانوني. وإنطلاقًا من هذا الواقع، يُحاول "التيّار" رفع شروطه بوجه "الثنائي"، خاصة وأنّه يخشى أن يرتدّ أيّ قرار سيتخذه المجلس النيابي بالنسبة إلى مسار تحقيقات إنفجار المرفأ، سلبًا عليه في صناديق الإقتراع. واللافت أنّ "الثنائي الشيعي" لا يزال عند موقفه الحازم، بعدم المُوافقة على عقد جلسة لمجلس الوزراء، طالما لم يتمّ حلّ مسألة القاضي طارق البيطار، بشكل جذري ونهائي، حتى لو أسفر هذا الموقف المُتشدّد عن مزيد من الإستنزاف لعهد الرئيس العماد ميشال عون، وعن مزيد من التدهور الإقتصادي والمالي.

وبالتالي، الأمور مُتشابكة ومُعقّدة، وكل طرف يُحاول تمرير ما يريده من شروط بأقلّ أضرار مُمكنة عليه من الناحيتين السياسيّة والإعلاميّة، وخُصوصًا من ناحية التصويت الإنتخابي المُقبل. وبغضّ النظر عن "التخريجة" النهائيّة التي سترسو عليها التسوية بين "الثنائي الشيعي" و"التيّار الوطني الحُر" في نهاية المطاف، إن هذا الأسبوع في حال حلّ التفاصيل الخلافيّة الباقية أم في مرحلة لاحقة في حال عدم حلّها بالسرعة المَطلوبة، الأكيد أنّ أكثر من جهة تعمل لأن يكون لأي صفقة سياسيّة-قضائيّة إرتدادات قاسية في صناديق الإقتراع في المُستقبل القريب.

في الختام، "حزب الله" ومن خلفه "حركة أمل" يريدان التخلّص من المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار المرفأ، بأيّ ثمن. و"التيّار الوطني الحُرّ" يريد إنجاح الطعن في تعديلات قانون الإنتخابات، وعودة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد، قبل إنقضاء السنة الأخيرة من "عُمر" العهد الرئاسي. و"القوات اللبنانيّة" وجهات سياسيّة أخرى، تريد الإنقضاض على الخُصوم السياسيّين لأهداف إنتخابيّة. وكل ما سبق يُفسّر عمليّة شدّ الحبال الحاصلة، على الرغم من الجُهود الكبيرة القائمة للتوصّل إلى تسوية أو صفقة. وفي النهاية، وكما يقول المثل الشائع: "يضحك كثيرًا... من يَضحك أخيرًا"!.