بعض سرّه الإنساني ّ في جغرافيِّته، وفي تاريخِهِ بعضُ سِرِّه الإلهيّ.

حين بعض الكيانات تتغنّى بأساطيرها التأسيسيّة-والأساطير هروبٌإلى مناجاة أوهام-، لبنان يعودُإلى البدء. بدء كلِّ شيء. هناك يسمو، إذيكشِفُ لكَأنَّ الله وَحدَه هو مَن بَدَأَهُ.

يا للجلالأن يكونَ الله بدأ كياناً! هو الذي خلق ما يُرَى وما لا يُرَى، بكلمتِهِ، صارخاً: كن! فكان، نَصَبَبيَمينِهِ أرز لبنان، على ما يُنشد المزمور 104: "أرزُ لبنان الذي غَرَسَهُ ".ولم يَغرُسه إلاَّ ليَكون سُكنى قدسِيَّتِهِ، لا يُقَابَل بأيِّ أمرٍ آخر:

ها هي الحكمةُ تتكنّى به لِتَدُلَّإلى عَظَمَتِها: "إرْتَفَعْتُ كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ" (يشوع بن سيراخ 24/17).

وها حزقيال (17/22-24) يشير إلى مسيحانيَّة المسيح واصفاً إيّاه بـ"الارز الجديد" النابت من غصن طريّ زرعه الربُّ في جبلٍشاهقٍ يفوق الكلَّ، فيَصير أرزاً جليلاً ويتدرأ تحتَه كلُّ طائرٍ، وكلُّ ذي جِناحٍ يأوي في ظلِّأغصَانِهِ، بما يعكِس بُعداً شموليَّاً للكنيسة.

وها أشعيا (60/13) يهتِفُ في نشيدٍ قياميٍّيُعلِن القيامة: "مجدُ لبنان (أيِّ الأرز) يأتي إليك".

وبعد؟

ها الأحاديثُ النبويَّة في الإسلام تُعلي لبنانَ واحداً من جبالِ الجنَّة الأربعة، وواحداً من الأربعة او الخمسة التي أُسِّسَعليها البيت الحرام، وواحداً من الأجبُل الثمانيةِالتي تحمِلُعرش القديرِيوم القضاء الأخير: أربعةٌ مِنهنَّ ملائكة، والأربعةُ الباقيةُ، ولبنان منها، ستغدو لآلئنيّراتٍ ما بين الأرض والسماء.

أمُقلِقٌ هو للعالم، هذا اللبنان، الذي ليس من شطحاتٍ مهجوسةٍ بالمزاعم؟.

أَكثَر! هو العاصي الكبير، على صورةِ ذاك النهر الذي ينبَعُ منه ويصعَد الى فوق، حين كلُّ أنهر العالم تنحدِر.

هو العاصي الكبير على هواجس العالم، يطوي في ذاتِهِ عوالمَ كثيرةًتوحِّد بين ما هو إلهيّ وما هو إنسانيّ، في تَلاقٍ من لَهَبِ بُلوغِ الذروة. منذ الما قبل الى الما بعد. وهنا التحديّ، لأنَّ في هذه السَويَّةِ قَهرٌ للموت وإنتصارٌ عليهِ بالحياة!.

هو العاصي الكبيركيف يموت، وفيه فِعلُ الألوهة، محروسٌ بِها، وبِها حُرِمَ من غُربة الآخرين؟

... وحرمون

هذا العاصي الكبير لا يُدرَكُ مِعناهُ كاملاً مِن دون حرمون: تلك القمَّة التي حَرَمَهَا الربُّ عن كلِّ الآخرين، مُرِيداً إيَّاها له، فلا إغتراب فيها، على ما يشهد تثنية الاشتراع (3/25-26).

أجل ! في خيار الله هذا تَحَدٍّ آخر للوعيِّ الإنسانيِّ: أن تجعلَ من لبنانَ أرضَ ميعادِ السويِّة بين الله والبشر، لا سيَّما حين يلوذُالبشرُ بالعدمِ وجوداً.

لا لبنان ليس عدماً، ولن يكون! وهو أعلى من وجودٍ يكون!.

أتَسقطُانتَ اللبنانيُّ، المتجسِّدُ في تجليَّات هذه الحقيقة؟ ألا قِف! وَصِرّ واحداً ولبنانِكَ. ولا تَخَف من هذه الكينونة،ففيها سرِّ الخلقِ، الذي لولاهُ لَمَا تماهى الخالقُ مع خليقَتِهِ.

العوالمُ تحتاجُكَ لتَرفَعها بِحَرَمُونِكَإلى الإنعتاق.

كم مرَّة مُتَّ عن هذه العوالم، بِسَبَبِ تصَادُمِها وسَطوَتها أو تِيه جَشَعها، وقد تفنَّنت في إستبَاحة ما للخَالقِ. مِن دونِ عاصيكَ الكبير، لبنان، لا مواعيدَ قياماتٍ لها!ومِن دونِكَ لا حقيقةَ لها!.

كُن كَوَطَنِكَ عاصياً، لأنَّكَ مُصطَفَىً مِنَ الذي إصطَفَى وطَنَك لنفسِهِ... لتكونَ خَبَرُ المبتدأ.

والخَبَرُ خلاصٌ؟ بل حَجَرُ الزاوية!