عندما كان الفرنسيون يحضّرون زيارة رئيس جمهوريتهم إلى ​المملكة العربية السعودية​ لمس فريق ​الإليزيه​ إصرار رئيسهم ​إيمانويل ماكرون​ على كسر الجمود السلبي في العلاقة السعودية-اللبنانية، ليس من أجل وقف إجراءات الرياض المتدرجة بحق لبنان فحسب، بل لفرض اعادة الحرارة إلى خطوط التواصل بين الرياض وبيروت. لماذا؟ هناك مكاسب سيحقّقها ماكرون شخصياً جرّاء تلك الخطوة، عبر التأكيد للفرنسيين بأن بلاده استطاعت خلال ولايته أن تفرض هيبتها الدولية، وتقيم تفاهمات اقتصادية وسياسية تصنّف في خانة الإنجازات. يعد فريق ماكرون ملف الإنجازات الدولية، لتقديمها الى الفرنسيين عشية الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أشهر، وخصوصاً دور ماكرون في الاستثمارات الفرنسية في الدول العربية. سبق وان طلب من رئيس الحكومة اللبنانية ​نجيب ميقاتي​ خلال اجتماعهما الأخير في الاليزيه أن تستلم باريس اعادة اعمار ​مرفأ بيروت​، لكن ميقاتي أكد له أنه سيلتزم بالنصوص القانونية التي تفرضها مصلحة لبنان. علماً ان دولا عدة تنافس الفرنسيين من أجل انجاز مرفأ بيروت، وفي طليعتهم المانيا.

لذلك، إندفع الفرنسيون لحل أزمة لبنان مع دول الخليج، الى حد أنه تم عرض فكرة أن يصطحب ماكرون ميقاتي معه الى السعودية، لكن احد اركان الاليزيه جزم لرئيسه ان طبيعة رئيس حكومة لبنان تؤكد انه لن يقبل بأن يزور المملكة الاّ بناء على دعوة سعودية رسمية تحفظ مكانة رئاسة حكومة لبنان. ومن هنا حصل التركيز الفرنسي على ضرورة انهاء التباين، فكانت البداية من سحب الذريعة أي إستقالة وزير الاعلام اللبناني ​جورج قرداحي​، التي شكّلت ورقة حملها معه الرئيس الفرنسي الى السعودية لإثبات حسن النوايا اللبنانية. سبق وان أوحت دول خليجية بضرورة إمساكها هذه الورقة قبل الدخول على خط المساعي مع الرياض، لكنّ فريق قرداحي لم يقدّم تلك الورقة، بحجة عدم وجود ضمانات.

لا مصلحة لإيران برفض أيّ طلب فرنسي بحجم خطوة إستقالة قرداحي، خصوصا ان فرنسا هي الدولة الغربية الوحيدة التي تتواصل مع "​حزب الله​". فجاءت الاتصالات في هذا السياق لا تمانع خطوة الاستقالة. علما أنّ الحزب المذكور كان أبلغ ميقاتي سابقاً انه لن يمنع وزير الاعلام من الاستقالة، لكنه لن يطلب منه ان يقدم عليها. وهكذا تأمنّت البيئة الحاضنة لخطوة قرداحي، التي تُرجمت سريعاً وصارت ورقة في جيب ماكرون الذي فتح ملف لبنان خلال زيارته السعودية.

سمع الرئيس الفرنسي الكلام السعودي ذاته عن لبنان، لكنه لمس ايجابية واضحة في مضمون حديث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن اللبنانيين. لم يعرف المطّلعون هنا عما اذا كانت المملكة تريد مخارج لإنهاء الازمات الاقليمية في زمن تمدد حليفتها ​الامارات​ بكل اتجاه وفق قاعدة: صفر مشاكل.

بجميع الاحوال ترجم بن سلمان ايجابياته، بالتجاوب مع طلب ماكرون الحديث مع ميقاتي عبر هاتف الرئيس الفرنسي.

بالشكل نجحت الخطوة الفرنسية اولاً بوقف تدهور العلاقات بين بيروت والرياض ومعها عواصم الخليج، وبالمضمون استنادا الى نوعية المحطات المقبلة: عودة السفراء، تواصل مفتوح بين الحكومتين اللبنانية والسعودية، ودعم مالي مرتقب بعد انجاز الحكومة اللبنانية عناوين الخطة الاصلاحية.

وعليه، يمكن الجزم ان ميقاتي نجح في فرض حكومته مساحة للانقاذ اللبناني، بدعم غربي اميركي-اوروبي-فاتيكاني، واحتضان عربي بات متوافراً حالياً.

يعد هذا التطور انجازاً لميقاتي الذي كرس نفسه رئيس حكومة وازن، وزعيماً اساسياً، بعدما شحنت الدول طاقاته لإنجاح حكومته. وهو بات ضرورة دولية وداخلية يمكن صرفها ايضا في المساحة السنية اللبنانية عشية ​الانتخابات النيابية​ بعد اشهر.