لا شكّ أن جلسة ​مجلس النواب​ المقرر عقدها غداً دسمة، فعلى جدول أعمالها إقتراح قانون لاقرار ​الكابيتال كونترول​ وذلك بعد مرور سنتين ونيّف على تهريب رؤوس الأموال الكبيرة من البلاد ودخول ​لبنان​ مرحلة الإنهيار الكبرى... والسؤال اليوم "ما الذي يدفع مجلس النواب الى إقرار هذا المشروع في وقت أنّ ​أموال المودعين​ هي فقط المحجوزة"؟.

إقرار اقتراح قانون الكابيتال كونترول بنسخته التي هبطت بالمظلّة على مجلس النواب يمثل انتهاكاً صريحاً للكتلة التشريعيّة اللبنانيّة، ومنها مقدمة ​الدستور اللبناني​ وأحكامه والمبادئ الدستورية العامة، وتلك المتصلة بالقوانين العامة إضافة إلى القوانين المرعية الإجراء كافة، لاسيما القوانين المصرفيّة والماليّة، وقانون الموجبات والعقود والقانون التجاري ومجلّة الأحكام العدلية. هذا ما يؤكده المتخصص في الرقابة القضائيّة على المصارف الدكتور باسكال فؤاد ضاهر، لافتا عبر "النشرة" الى أن "المسودة المقترحة للقانون تتناقض مع مفهوم نظام "الكابيتال كونترول"عينه والإتفاقيّات الدوليّة المتعلّقة بحريّة التجارة الدولية، وتلك المتصلة بعمل ​القطاع المصرفي​، فضلاً عن المواثيق الدوليّة، ومنها شرعة حقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية".

تعديل خطير

الأخطر من هذا كلّه، بحسب الدكتور باسكال ضاهر أن إقتراح القانون بصيغته الحالية يعدّل العقد الموقّع بين المصارف والمودعين الذي يلزم الأخيرة دفع الوديعة بعملتها، في حين أن اقتراح القانون يرمي الى ترسيخ التسديد البدلي لعملة عقد فتح الحساب المصرفي، وهذا الأمر يتناقض مع المادة 221 من قانون الموجبات والعقود، الذي يعتبر العقد شريعة المتعاقدين وهو القانون الاسمى الذي يطبّق وتستند اليه عدد من الإتفاقيات الدولية.

صلاحيات استثنائية للمركزي

"الهدف من اقرار القانون الحالي هو مخالف لتسميته، أي أنه مسمى "كابيتال كونترول" لكنه في الواقع يهدف الى تشريع مخالفات المصارف وتعميق استيلائها على الودائع بغية تمويل رأسمالها". هذا ما يؤكده الدكتور باسكال ضاهر، مشيرا الى أنّ "هذا الاقتراح يجعل من ​المصرف المركزي​ وأجهزته يتصرّف بإستنسابيّة مع المودعين أيّ أنّه الحكم والخصم".

بدوره الخبير الدستوري الدكتور ​عادل يمين​ يلفت الى أن "إقتراح القانون لا يتطرّق الى موضوع الأموال التي سبق وحُوّلت الى الخارج، وبالتالي غضّ النظر عنها، في حين أنه يفترض العمل على إستعادتها، خصوصا وأنه تم التحويل بناء على نفوذ معيّن وعمليّة اخراجها يشكل مخالفة قانونية"، مضيفا أيضا انّ "اقتراح القانون ترك ل​مصرف لبنان​ الاستنساب في شروط السحب والتحويلات، في حين أن قانون الكابيتال كونترول يأتي لتأمين قواعد مطمئنة لحماية المودع".

طريقة الاعتراض والقيود

يشرح الدكتور باسكال ضاهر أن "اقتراح القانونيتضمن آليّة لاعتراض المودع على قرارت رفض التحويلات من قبل الوحدة المنشأة (وهي هيئة ادارية ولا يمكن اعتبراها هيئة قضائية لأنها بحكم الواقع هيئة ادارية)،فيتم أمام المحكمة التي أنشأت خصيصاً، وتنظر بقراراتها بصفة الرجائيّة أيّ ليست علنيّة وقراراتها ليست قابلة للمراجعة. بدوره الدكتور عادل يمين يشدّد على أنّ "المصارف تتصرّف باستنسابيّة وهذا القانون لا يؤدّي الى وضع ضوابط واضحة لتصرفّاتها ولا يؤدّي الى استعادة الاموال من الخارج. أكثر من ذلك هو وكأنه يحمي المصارف من الدعاوى المُقدّمة في الخارج بما يتعلق بالتحويلات التي حصلت في فترة الأزمة".

الواضح أنّ اقتراح القانون وإن مرّ فهو حكماً يعطي صلاحياّت خاصة لمصرف لبنان والقطاع المصرفي، وبالتالي أصبح هو الخصم وهو الحكم، وعبره أيضا يتنازل المشرّع عن دوره بالتشريع ويعطي المصرف المركزي الصلاحيّة بذلك من خلال المجلس المركزي الذي يحدد شروط التحويل...

أليس الأجدى اليوم العمل على استعادة ​الأموال المنهوبة​ والمهرّبة الى الخارج، وعندها يُعمل على إقرار "كابيتال كونترول" وفق الاصول بدل أن يشرّع المجلس النيابي نهب أموال اللبنانيين؟ ففي الواقع ما يجري العمل عليه هو السرقة والاستيلاء على ودائع الناس بصورة قانونيّة سعياً لتكبير المصارف لرأسمالها!.