لقد أخذ قانون الكابيتال كونترول حيّزًا كبيرا من الأخذ والردّ في ظل الأزمة الماليّة والاقتصاديّة الّذي يمر بها، فكان لا بدّ من وضع بعض التعليقات القانونية على مشروع قانون وضع ضوابط استثنائية على بعض العمليات المصرفية ما يعرف بـ.Capital controملاحظة أولية:

إن هذا المشروع هو في الحقيقة لا يتعلق بوضع ضوابط موقتة واستثنائية على التحاويل والسحوبات النقدية فقط، فهو في حقيقة الأمر يشمل أيضاً Haircut على الودائع بالعملات الأجنبية المفتوحة في المصارف اللبنانية، وهو يأتي بعد أن فقدت العملة الوطنية أكثر من 85% من قيمتها مقابل العملات الأجنبية كما فقدت قدرتها على الإيفاء بسبب رفض أكثرية الدائنين قبولها لسداد الدين ولا سيما منهم المصارف.

فإن فرض السحوبات بالليرة اللبنانية حصراً مهما كانت عملة الحساب، وبسعر صرف أقل مما هو متداول يعني أنّ القانون يخفي haircut و Bail-in تحمله المودعون حصرًا، أي تحميل الخسائر على فئة واحدة هي المودعين.

كما أن القانون المقترح يُعطي حماية للمصارف وأصحاب الأسهم فيها، بعدما قامت البنوك بتحويل أموال المودعين لديها لصالح المساهمين والسياسيين، بينما قامت وبخلاف القانون والعقود الموقّعة مع المودعين بحرمان هؤلاء من الاستحصال على ودائعهم، وصنّفت الأموال بأنها جديدة Fresh او غير جديدة، وتعاملت مع الحسابات القديمة بالعملات الأجنبيّة كأنّ أموالها غير موجودة أو قيمتها تساوي أقل مما هي مقيّدة دفتريًا في الحسابات.

أما في ما يتعلّق بالتحاويل والاستثناءات، فهي تبقى خاضعة للسلطة التقديرية لمصرف لبنان الذي يحق له وحده الموافقة أو رفض طلبات الاستثناءات بموجب تعاميم او قرارات قوتها التشريعيّة أقلّ من القانون. وهذه العمليّات تجري حاليًا ومعروف من قبل الكافة مدى استنساب مصرف لبنان وتأخّره في إعطاء القرارات بشأنها. بمعنى أنّ القانون الحاضر أعطى التعاميم والقرارات الصادرة عن المركزي مرتبةً أعلى من القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية المُنتخبة، وإن كان تاريخ نفاذه محددًا بالوقت لأنّه يحق حتى لحاكم مصرف لبنان أن يوصي بتمديد العمل به.

كما ألزم المحكمة الخاصة التي ستنشأ بموجب المادة 6 منه على تطبيق تعاميم مصرف لبنان، لا سيما بعدما اعتبر أن نصوص هذا القانون تسمو على ما يُخالفها من نصوص وأنها من الانتظام العام.

أما فرض مُهل زمنية للقبول والرفض بدون تحديد عقوبات سوى من حدّدته الفقرة الثانية من المادة السابعة، أيّ إعتبار المصرف بحالة التوقف عن الدفع وهو أمر بغاية الخطورة، لأن هذه الفقرة قد تستعمل ليتم إعلان إفلاس مصارف معيّنة أو دمجها، لا سيما أن ما قد يسترده المودع بهذه الحالة يقع ضمن قيود مؤسسة ضمان الودائع والسقوف المحددة فيها.

بداية وقبل بالدخول بالتفاصيل والتعليقات القانونية الواردة على مضمون مشروع القانون، لا بد أ نؤكد على رفضنا القاطع لتشريع هكذا قانون شكلا ومضمونا، خصوصا وانّه لم يطرح بالتزامن معه أيّة مشاريع اصلاحية مثل استرداد الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد الخ...

كما أن القانون المقترح يُعطي حماية للمصارف وأصحاب الأسهم فيها بعدما قامت البنوك بتحويل أموال المودعين فيها لصالح المساهمين والسياسيين، بينما قامت وبخلاف القانون والعقود الموقّعة مع المودعين بحرمان هؤلاء من الاستحصال على ودائعهم، وصنّفت الأموال بأنها جديدة Fresh او غير جديدة وتعاملت مع الحسابات القديمة كأن أموالها غير موجودة.

كان من الأجدر بدلًا من وضع الجهود لإقرار هذا المشروع في ظلّ الظروف الإقتصادية التي تمر بها البلاد والتضييق على المودعين، تصويب هذه الجهود لإقرار قوانين تلزم المصارف والسياسين ومن معهم المثبت تحويلهم الأموال الى الخارج في الفترة الزمنيّة التي أقفلت المصارف فيها أبوابها، ارجاع هذه الاموال الى البلاد أيّ لعدم مساواة المودعين ببعض لناحية التعاملات، وخاصةً اذا ثبت ان مصدر هذه الاموال مخالف للقوانين المرعية الاجراء سيما قانون 44/2015 (المتعلق بمكافحة تبييض الاموال ومحاربة الفساد).

لا بدّ من الاشارة ايضاً انّ اغلبية البلدان تقوم بدراسة كيفية التعويض عن خسارة الدخل الفردي في ازمة الكورونا، فضلاً عن قيام المصارف بوضع خدماتها بمتناول العملاء والتي تمكّن من تجاوز تبعات ازمة الكورونا عبر تسهيل سحب الودائع، في حين نجد المشرّع اللبناني يقوم بالنقيض.

في الاسناد، تمت الاشارة في الاسباب الموجبة الى القوانين الدولية والمواثيق العالمية لحقوق الانسان لتبرير حق الدولة في تقييد حركة الودائع، في حين لم يتم الاشارة الى اي من القوانين الدولية او موادها بشكل صريح في مقدمة مشروع القانون، الامر الذي يشكل تغطية ملتبسة لمشروع القانون. وللتذكير، فقد جاء في الفقرة و) من مقدمة الدستور اللبناني: "ان النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة"...

اما الفقرة الاولى من المادة 25 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان فقد نصت على: "ان لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه".

اما في الشق القانوني وما يشوب هذا المشروع من تناقضات قانونيّة وصل بها الحد الى نسف المفاهيم للقوانين التجارية والموجبات والعقود، سيّما وان ايّ تعديل تشريعي صحي وسليم لا يمكن ان يتم الا من خلال تعديل دستوري عبر تهيئة بيئة سياسية حاضرة لهذا التعديل تزامناً مع تعديل تشريعي للنصوص ذات الصلة، حيث سنقوم بشرحها وفقا للآتي:

إن أسوأ ما تم تشريعه وتكريسه بهذا المشروع أنه أقرّ أن من حق السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تناقض قرارات السلطة القضائية بأن تعلن عدم فعالية الأحكام والدعاوى في آن. بمعنى أن القضاء الذي نظر وينظر في دعاوى أقيمت أو تم البت بها بموجب القوانين نفسها التي جرى التعاقد بين المودعين والمصارف وفقًا لأحكامها، قد تم نقضه تمامًا عبر إعلان عدم فعالية الأحكام، مما يعني فعليًا أن السلطة التشريعية والتنفيذية قررت تحميل المودعين فقط كامل الخسائر في القطاع المصرفي وفي مصرف لبنان.

المادة الثانية، الفقرة الأولى، تتناقض مع الأسباب الموجبة ومع الفقرة ومن مقدمة الدستور وDéclarationuniverselle des droits de l'homme، لأن الحرية بالتصرف بالأموال المملوكة من المواطن تعتبر تصرفاً بملكيّة، والملكيّة مضمونة دستورياً ه1ا، ناهيك عن ان اموال المودعين في المصارف هي ودائع ويقتضي ان يطبق عليها بنود قانون الموجبات والعقود لجهة اعادة الوديعة، والاخذ بعين الاعتبار ان العقود مع المصارف هي عقود اذعان فيقتضي الاخذ باجتهادات المحاكم لغاية تاريخه وعدم ضرب التوازن القانونيStabilitejuridiqueعرض الحائط. اضافة الى تخطيه حدوده القانونية ومفهوم حماية المودعين ويخبئ في مضمونه قانون ثاني وهو الهيركات .

السحوبات

البند ب، السحوبات، لا يصح إعتماد سعر لصرف العملة الأجنبية إلى الليرة على أساس السعر المعتمد على منصة صيرفة لأنه واقعيًا فإن سعر هذه المنصة يقل بنسبة حوالي 50% عن سعر التداول الحقيقي للعملة الأجنبية في السوق، مما يُخالف مبدأ الوديعة بحسب قانون الموجبات والعقود لأن رد الوديعة يجب

أن يكون بقيمتها الحقيقية وليس بأقل منها. لذا فإعتماد أسعار أقلّ من السعر المتداول، يعتبر اقتطاعا من أموال المودعين وتحميلهم خسائر تتراوح بين 50 و60 بالمئة من أموالهم. في حين تُعفى المصارف من أيّ تبعة على سوء استثمارها الوديعة وتحمّل أية خسائر أو تكاليفتشريع التمييز بين المودعين بما يخلق حالة عدم مساواة ومخالفة واضحة للدستور وللمواثيق الدولية. فمن يستطيع تأمين أموال جديدة بمفهوم القانون، يُعتبر مودعاً عادياً ويستفيد من الخدمات المصرفية كما يفرضها قانون النقد والتسليف، وقانون الموجبات والعقود والعقد الموقع مع المصرف. ايضاً وايضاً تأجيج عنصر فقدان الثقة بالمصارف لا بل حمايتها من كافة المخالفات القانونية التي تقوم بها.

تعتبر من الاموال الجديدة الاموال المودعة بالليرة اللبنانية! ان هذه هرطقة قانونية تتناقض مع هدف القانون المطروح! سيما وهناك تناقض مع باقي الفقرات من القانون المطروح.

أما من كان غير قادر على تأمين تحويلات من الخارج او إيداعات نقدية ورغم توقيعه نفس العقد مع المصرف، فتعتبر أمواله محتجزة، وإن كان وفقاً للقانون الحاضر.

تعتبر هذه الفقرة غير دستورية وغير قانونية (تخالف قانون الموجبات والعقود ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين) لأنه لا يسع للقانون أن يتدخل في العقد الموقع بين المصرف والمودع فهو حق من الحقوق المكتسبة وأن يفرض قيوداً على أحد الفرقاء يستفيد منها الفريق الآخر، لا سيما أن الفريق المُعفى من الموجبات التعاقدي هو أساساً الفريق الأقوى إقتصادياً.

التحاويل، البند ب، يجب ازالة هذه المادة، فإن تطبيقها سيعني أن على من لديه حساباً بالليرة اللبنانية أن يبقيه بهذه العملة، بحيث لن يستفيد من أيّة تسهيلات إذا ما طلب تحويل أمواله بالسعر الرسمي. كما لا تنص هذه المادة مثلاً على أيّ أمر يتعلق بإجراءات المصارف في ما يتعلق بالأموال بالليرة اللبنانية المحوّلة إلى عملة أجنبيّة لناحية منع التصرف بها لمدة تفوق الـ15 شهراً و في بعض الأوقات تصل إلى 18 شهراً.

من الضروري اضافة مادة قانونيّة تمنع المصارف من اقفال الحسابات بطريقة أحاديّة، سيّما في الوضع الحالي الذي يستحيل معها فتح حسابات جديدة للمودعين.

المادة 4 الاستثناءات المشروطة

الفقرة د، والفقرة و، حيث لا وضوح لكيفية معرفة الحالات التي يلزم فيها المصرف على قبول طلب التحويل. فعبارة على سبيل الذكر لا الحصر، تترك مجالًا كبيرًا للاستنساب لدى المصارف ومجالًا لرفض التحاويل، لا سيما عندما يُترك أيضاً للمصرف الإستنساب في ملاءمة الشروط والمستندات وترك هذا الأمر لما قد يصدره المصرف المركزي من وقت لآخر. مما يعني عمليًا أن المصرف المركزي قادر على تقرير ما يكفي أو لا يكفي لمعيشة الطلاب. وما يعتبر موادَ أولية او لا يعتبر، وما يعتبر ضروريًا للتصنيع أو لا يعتبر.

إن ترك هذه المسائل من صلاحية مؤسسة عامة (شخص من القانون العام) فيه نقض لمقدمة الدستور وطبيعة النظام الاقتصادي الحرّ بحيث يتحوّل الاقتصاد إلى مقيّد وخاضع لسلطة واحدة في الدولة ويقتل المبادرة الفردية.

المادة الرابعة

إن ترك تقرير الحالات الملائمة لقبول التحويل بحسب الاستثناءات لمصرف لبنان والمجلس المركزي فيه كما وردت: "من وقت لآخر"، فهذا يعني أن القانون لن يُطبق إلا كما يريده مصرف لبنان وعملياً الحاكم، على الرغم من شموليّة القانون وسموِّه على التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان. مما يعني أن هذا القانون سيُعطي المصرف المركزي الحق بتطبيقه متى وكيف ما يشاء.

المادة السابعة

الفقرة أب-البند ثانيًا، من أخطر مواد القانون ذلك أنه يعطي المجال للمصارف بأن تنفد من خلال هذه المادة إلى إعلان توقها عن الدفع، وبالتالي إلى ضياع حقوق المودعين فيها، لا سيما إذا ما بقيت المحاكم تعتمد على السعر الرسمي 1507.5 ليرة/دولار أميركي في تحصيل الديون من المُفلس.

أو قد تقع المخالفة بتنفيذ التحويل تحت الاستنسابية المُعطاة للهيئة العليا ولمجلس المركزي في مصرف لبنان، الذي قد يقرّر عدم معاقبة المصارف بما يلائم إلزامها بتطبيق القانون.

* متخصص بالمعلوماتية القانونية والجرائم السيبرانية