اعترف الجميع بقدرة الرئيس الفرنسي ايمانويل كاكرون في التحرك الفاعل مع ​السعودية​ لمرتين متتاليتين لحل ازمة تصاعدت بشكل كبير بينها وبين ​لبنان​. الحراك الثاني الذي كان منذ ايام قليلة، استقطب الاهتمام بشكل لافت، ليس بسبب طبيعة التحرك والضغط الذي يعاني منه لبنان على الصعد كافة، بل بالنظر الى ما تضمنه البيان المشترك الفرنسي-السعودي.

لم يكن لهذا البيان ان يأخذ هذه الاهمية الزائدة لولا تضمينه اشارة الى القرار الدولي 1559 ووجوب احترامه، والا لكان كغيره من البيانات التي صدرت والتي تضمنت وجوب ان يتقيد لبنان بضمان سلامة وعم التعرض للدول الشقيقة والصديقة في المنطقة، وان يساعد نفسه كي يساعده الاخرون... انما تقصد الاشارة الى ​القرار 1559​، اثار استغراب الكثير من المتابعين والمحللين، فما سبب الاشارة اليه؟.

مصادر مواكبة للتطورات اللبنانية، توقفت اولاً عند اهم ما تضمنه هذا البيان الصادر عام 2004، والذي لا يقتصر على انسحاب جميع القوات غير اللبنانية، بل عند نقطتين اساسيتين: الدعوة الى حلّ جميع الميليشيات اللبنانيّة ونزع سلاحها، وتأييد عملية انتخابيّة حرّة ونزيهة في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة. وفيما تعدّدت الآراء والتحليلات حول الموضوع، رأت المصادر نفسها ان الاشارة الى هذا القرار تحديداً في البيان المشترك، انما اتى كتعويض للسعودية وارضاء لصورة ولي العهد الامير محمد بن سلمان، فيما ​فرنسا​ والدول الكبرى لا تحبذ الضغط من اجل تطبيقه لعلمها علم اليقين بأن تطبيقه بكل بنوده هو من المستحيلات، وان مصيره مشابه لمصير القرار 425 الشهير. واضافت المصادر انه كان يجب ان يظهر ولي العهد السعودي بمظهر الفائز معنوياً من المنازلة مع لبنان، وان استقالة الوزير ​جورج قرداحي​ لم تكن كافية بالنسبة اليه، وكان لا بد من ثمن معنوي آخر، فكان له ما اراد من خلال الاشارة الى هذا القرار.

ولكن عملياً، لا يمكن صرف هذا الانجاز، لانّ فرنسا والرئيس ماكرون نفسه، فتحا الخطوط مع ​حزب الله​ وتحادثا معه في كل الامور اكثر من مرة، بما يعني ان باريس تدرك ان حزب الله قوة لبنانية لا يمكن ازالتها، بل يجب الحديث معها والتوصل الى تسوية ما بشأن قضايا اساسية. وفي الواقع، تعايشت الرياض بشكل تام مع تنامي قوة حزب الله المحلية والاقليمية، من دون ان تعترض او ان ترفع "البطاقة الحمراء" في وجهه، وكانت المعارك تقتصر على ارتفاع حدّة الخطاب السياسي فقط، الى ان اخذت الامور منحى آخرَ في الاشهر الماضية. وبالتالي، من المسلّم به ان المطالبة بنزع سلاح حزب الله ليس الا بكلام اعلامي لتسجيل المواقف، بدليل انه لم يتم الطلب من اي جهة تنفيذية او عسكرية (رئاسة الحكومة او ​قيادة الجيش​) العمل على تطبيق هذا القرار منذ العام 2004، وحتى بعد صدور البيان المشترك.

اما النقطة الثانية، فتتمحور حول الانتخابات الرئاسيّة، وقد وضع الكثيرون الامر في خانة التضييق على الرئيس الحالي العماد ​ميشال عون​، ورأوا فيه دعوة الى عدم التمديد والا... لا تنفي المصادر نفسها وجود رغبة، لا بل ارادة خارجية، بعدم التمديد، ليس فقط لرئيس الجمهورية انما ايضاً لمجلس النواب. فالدول كلها تصبّ حالياً جهودها واهتمامها، وحتى اموالها، لاجراء ​الانتخابات النيابية​، وما لم يحصل حدث خارج عن المألوف، فإنها ستجرى رغم كل ما يقال، لانه رهان خارجي وبالتحديد اوروبي. اضافة الى ذلك، يعتبر الخارج ان التمديد لمجلس النواب سيفتح الطريق امام التمديد لرئيس الجمهوريّة، لانّ التوازنات السّياسية ستبقى على حالها ولن يكون من الممكن تغييرها للاتفاق على شخصية جديدة تتولى مهام الرئاسة، وبالتالي سيكون اهون الحلّين التمديد لانّ الفراغ ليس الحلّ، وقد اثبتت التجارب انه غير فاعل ولا يفيد كوسيلة ضغط، بل يساهم في مزيد من الانقسامات في الداخل المسيحي، وتوجّه كل قوّة مسيحية الى الطوائف الاخرى سعياً لكسب دعمها.

باختصار، تستبعد المصادر اعادة احياء هذا القرار بشكل عملي، وان عودته الى الساحة هي من باب تسجيل النقاط فقط، اذ من غير المرتقب وجود سيناريو للتمديد للرئيس عون، لاسباب معروفة داخليّة وخارجيّة، انما الدعوة في البيان الفرنسي-السعودي هي اقرب الى اجراء الانتخابات النّيابية التي ستجيب على شرط "تأييد عملية انتخابية حرّة ونزيهة في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة".