يقارب البعض المحنة التي يمر بها لبنان بكثير من عدم الواقعية، وخصوصا القيادات المارونية، التي تحصد طائفتها اليوم ثمن أخطائها ماضيا وحاضرا من دون أن تتعظ وترعوي. ويبدو كما يقول أحد أحبار الكنيسة بحسرة أن ثقافة الالغاء تمكنت من القادة الموارنة منذ مجزرة اهدن والمجزرة الانتقامية التي اودت بشباب من القاع، مرورا بالصفرا، وصولا إلى الحرب التي دارت بين "القوات اللبنانية" ووحدات من الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون، والتي أطلقت عليها تسميات مختلفة من "حرب الالغاء" إلى "حرب توحيد البندقية" إلى "حرب الأخوة الاعداء" على حد وصف البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير.

في اي حال هذه الحروب كلّفت المسيحيين كثيرا، وابتلعت المهاجر ما يقارب ٦٦٠ الف شخص تركوا كل شيء وشرعوا يؤسسون لحياة جديدة فيها بعيدا من أرض الوطن.

وحدة المسيحيين ولاسيما الموارنة ثبتت الكيان اللبناني، ورسخت حضورهم، ومنعت اي محاولة للاستفراد بهم وعزلهم، ولكن تفرقهم تشتتهم وتجعلهم يدفعون الثمن غاليا من وحدتهم وفاعليتهم وقوة اثرهم وتأثيرهم.

كانت معظم الكتل النيابية الكبرى في البرلمان برئاسة اقطاب مسيحيين، وتضم نوابا مسلمين. اما بعد الطائف، فانقلب المشهد بسبب قانون انتخاب هجين فرضته الوصاية السورية على لبنان. والحال اليوم وإن تحسّنت بفضل قانون الانتخاب الذي اعتمد النسبية والصوت التفضيلي، فإن ذلك لا يعني أن الأمر على ما يرام، لاسيما بعد سقوط تفاهم معراب. فقد عادت الخلافات إلى التمظهر عبر الحملات الاعلامية والمتاريس السياسية على خلفية التنافس على النفوذ والاستحقاقات المقبلة سواء كانت نيابية او رئاسية.

بدت القوى السياسية المارونية كَحَمَلة "السواطير" في مواجهة بعضها بعضا من دون رحمة او هوادة، وسط عجز بكركي عن لجم هذا النهج المدمر، وفشلها في جمع القيادات تحت سقفها.

"فالج لا تعالج" هذه هي حال الموارنة اليوم، ولا من مداوٍ.

عسى أن يكون ما حل بهم امثولة كافية.

أصابهم ما اصاب بنو تغلب عند انتشائهم بقصيدة عمرو بن كلثوم "الا هبي بصحنك فاصبحينا". فأكلهم الآخرون بعدما كادوا يأكلون الناس، وبات يصح فيهم انهم ألْهَتْهُم عن كل مكرمة خلافات قادتهم وزعمائهم .

"الا يجهلنّ احد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا" والله يستر من الاعظم.