منذ لحظة إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجُمهوريّة في 31 تشرين الأوّل 2016، كثرت التساؤلات بشأن تأثير العلاقة السيّئة التي تربطه برئيس مجلس النواب نبيه برّي، على كامل عهده. وقد كانت الآمال مَعقودة على أن يلعب "حزب الله" دور صلة الوصل بين الجانبين لإنجاح العهد، لكنّ هذا الأمر لم يحصل على الإطلاق. وفي المرحلة الأخيرة، إنحاز "الحزب" بشكل كامل إلى جانب "حركة أمل"، في مواجهة "التيّار الوطني الحُر"، فتضاعف شلل الحُكم. ويُحكى اليوم أنّ إستمرار العلاقة السلبيّة بين "التيّار" من جهة و"الثنائي الشيعي" من جهة أخرى، قد يؤدّي إلى تعطّل السُلطة التشريعيّة في المُستقبل القريب، إضافة إلى إستمرار تعطّل السُلطتين التنفيذيّة والقضائيّة، إلخ. فما هي المَعلومات في هذا الشأن، وإلى أين يُمكن أن تصل الأمور في خضمّ هذا الصراع؟.

في مسألة تحقيقات المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار المرفأ، الأمور ما زالت على حالها من التصعيد، حيث لا يزال "التيّار" يؤمّن الحماية السياسيّة والمَعنويّة للقاضي طارق البيطار، تحت شعار إستقلاليّة القضاء، بينما يُواصل "الثنائي" معركته الشرسة ضُدّ المُحقّق العدلي، عبر سلسلة لا تنتهي من طلبات الرد وكفّ اليد، بهدف شلّ قُدرته على مواصلة التحقيق، بحجّة أنّ مسار تحقيقاته إستنسابي وأنّه يُضمر أهدافًا سياسيّة.

وليس بسرّ أنّ هذا الخلاف المُتفاقم، إنعكس سلبًا على واقع الحُكم ككلّ، حيث أفهم "الثنائي" الجميع، أن لا مُعاودة لجلسات مجلس الوزراء، قبل التأكّد من شلّ قُدرة المُحقّق العدلي في قضيّة إنفجار الرابع من آب على مُتابعة تحقيقاته. ويضغط "التيّار" بقُوّة حاليًا، لمُعاودة جلسات الحُكومة بمن حضر، لكنّ رئيس الحُكومة نجيب ميقاتي مُتردّد في المُضيّ قُدمًا في هذا الخيار، خوفًا من تفجّر الحكومة من داخلها، ومن حُصول أزمة سياسيّة داخليّة كبرى، تحت شعار تجاوز "الميثاقيّة"، حيث يُصرّ "الثنائي"، بما يُمثّله من وزراء شيعة، على مُقاطعة أيّ جسلة مرتقبة.

وسط هذه الأجواء، لم يعد من المُمكن المُماطلة أكثر في إعتماد خيارات بديلة لإنعقاد الحُكومة، إن عبر جلسات اللجان الوزاريّة أو عبر المراسيم الجوّالة والمُوافقات الإستثنائيّة، لأكثر من سبب، أبرزها:

أوّلاً: الإنهيار المعيشي والحياتي بلغ مُستويات غير مسبوقة، وسعر صرف العُملة في سُقوط حُرّ مُتواصل، ما يُنذر بأشدّ العواقب على شرائح واسعة من الشعب اللبناني.

ثانيًا: الرسالة التي يوجّهها الحُكم في لبنان إلى صندوق النقد، وحتى إلى المُجتمع الدَولي ككلّ، سلبيّة جدًا، ولا توحي بالثقة، في حين أنّ المَطلوب من لبنان إظهار الجديّة والحزم في بدء تنفيذ الخُطط الإصلاحيّة والإنقاذيّة، للحُصول على المُساعدات الماليّة المَوعودة.

ثالثًا: ما اعتمد من بدائل لإنعقاد مجلس الوزراء، أسفر عن تكدّس أكثر من 140 بندًا لدى الأمانة العامة للمجلس، ما يستوجب إدراجها في جدول أعمال مجلس الوزراء، من دون أيّ تأخير إضافي.

أكثر من ذلك، بدأت في الكواليس تتردّد أصداء تحضيرات لتصعيد المُواجهة أكثر بين "التيّار" و"الثنائي"، حيث بدأ الحديث عن أنّ "التيّار" قد يردّ على شلّ مجلس الوزراء من قبل "الثنائي"، بشلّ مجلس النوّاب الذي ينتهي عقده العادي بعد أسبوعين وفق المادة 32 من الدُستور اللبناني(1). وبالتالي، ما لم يتجاوب رئيس الجمهوريّة إيجابًا عبر التوقيع على مرسوم فتح دورة إستثنائيّة لمجلس النواب، تتوقّف الجلسات التشريعيّة حتى أيّار، إلا في حال طلبت الأغلبيّة النيابيّة المُطلقة منه فتح هذا العقد الإستثنائي، وعندها قد يحتدم الخلاف الدُستوري على نسبة هذه الأغلبيّة في ضوء وفاة وإستقالة 12 نائبًا من أصل 128، من دون القيام بإنتخابات فرعيّة لسدّ هذه الثغرة، في مخالفة فادحة للدُستور! في المُقابل، يُحكى عن ردّ مُحتمل من قبل "الثنائي" يتمثّل في عدم توقيع وزير المال يوسف خليل المَحسوب عليهما، على أيّ بند في حال عقد جلسة لمجلس الوزراء من دون مُشاركة وزراء "الثنائي"، ما يعني شلّ النسبة الأكبر من البنود المُتراكمة المَذكورة أعلاه! وصراع التعطيل المُتبادل، قد يجرف معه الإنتخابات النيابيّة، وذلك تبعًا لما سيصدر عن المجلس الدُستوري بالنسبة إلى الطعن المُقدّم من "التيّار" بشأن التعديلات التي أدخلت أخيرًا على القانون الإنتخابي النافذ قانونًا. وفي حال تمّ قُبول الطعن، يعود الخلاف ليشتدّ بشأن موعد تنظيم الإنتخابات، وبشأن وجهة تصويت المُغتربين، أكان في الدوائر التي ينحدرون منها في لبنان أم لصالح ستة مقاعد مُخصّصة للإغتراب، إلخ. ولا حاجة للتذكير أنّ رئيس الجُمهوريّة كان تمسّك بعدم التوقيع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، للإبقاء على مزيد من أوراق الضغط في يده.

في الختام، إنّ عمليّة شدّ الحبال المُتواصلة والمُتفاقمة بين "التيّار" و"الثنائي الشيعي"، إنعكست مزيدًا من الأضرار على الواقع اللبناني المُنهار أصلاً. وفي حال عدم مُعالجة هذا الواقع في المُستقبل القريب، قد نصل إلى أزمة سياسيّة عميقة جدًا، ما سيُعرقل كل الإستحقاقات الإنتخابيّة المُقبلة، بحيث لن يعود من المُمكن الخروج من الأزمة، من دون اللجوء إلى خيار المؤتمر العام لإعادة رسم السُلطة من جديد.

(1) يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين، فالعقد الأوّل يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي 15 آذار، وتتوالى جلساته حتى نهاية أيّار، والعقد الثاني يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي 15 تشرين الأوّل، وتُخصّص جلساته للبحث في المُوازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدّة هذا العقد إلى آخر السنة.