"ثمّة أمور يجب أن تُقال بين الأصدقاء". بهذه الكلمات، أراد رئيس الجمهورية ميشال عون أن "يوضح" بعض مواقفه الأخيرة، التي فُسّرت "انتقادًا" لحليفه "المفترض" شبه الوحيد، الصامد على الأقلّ منذ انطلاقة "العهد"، أيّ "حزب الله"، خصوصًا على صعيد رفضه أداء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، ومقاطعة جلسات الحكومة لـ"فرض" تنحيته.

لكنّ عون، بكلامه "التوضيحيّ التفسيريّ" هذا، فجّر أكثر من "عصفور بحجر"، وفقًا لكثيرين، ممّن اعتبروا أنّه "خفّض" مستوى العلاقة بينه وبين "حزب الله"، من "التحالف" إلى "الصداقة"، وهو ما قد تكون له الكثير من الاعتبارات والتبعات، فضلاً عن "تثبيته" وجود تباين "جوهريّ" بين الجانبَين، لطالما حاول "الحزب" القفز فوقه، ونكران وجوده أساسًا.

ولعلّ ما عزّز هذا المنحى تمثّل في موقف "التيار الوطني الحر"، الذي لم يتبنَّ موقف رئيس الجمهورية فحسب، بل ذهب أبعد منه، رافعًا سقف "التحدّي" في وجه "حزب الله" إلى المستوى الأعلى، بتحميله، ضمن "معطّلي" اجتماعات مجلس الوزراء، مسؤولية "الإضرار المباشر" بالناس في "ذروة" الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانهيار المالي المتسارع.

إزاء كلّ ذلك، تُطرَح الكثير من علامات الاستفهام حول "مصير" تفاهم مار مخايل الشهير بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، والذي تخطّى سابقًا الكثير من الأزمات والمطبّات، وجاهر المعنيّون به بأنّه "يهتزّ ولا يقع"، إلا أنّ "حسّ" هؤلاء اختفى هذه المرّة بشكل شبه تام، ما يوحي بأنّ الأمر اختلف، أو أنّ الخلاف بات "أكبر" من القدرة على "تصغيره".

في المبدأ، لا يمكن لمراقب الشأن السياسي المحلّي أن يلاحظ وجود "امتعاض متبادل" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بدأ منذ فترة غير قصيرة، إلا أنّ الطرفَين المعنيَّين به، أو أحدهما على الأقلّ، اختار "تجاهله وتطنيشه" بكلّ بساطة، والتعامل كما لو أنّه "غير موجود"، وهي استراتيجيّة لا يبدو أنّها كانت "سليمة"، بدليل تفاقم الأمور أكثر.

بالنسبة إلى رئيس الجمهورية و"التيار الوطني الحر"، فإنّ أداء "حزب الله" في الآونة الأخيرة لا يجد "تفسيرًا مقنعًا"، وإن وجد، فلا يبدو "قابلاً" للقبول الشعبي، خصوصًا في حاضنة "التيار" المسيحيّة، التي بدأت تعبّر صراحة عن "نفورها" من الحليف، الذي "بالغ" في بعض الأمور، حتى "ذاب"، إن جاز التعبير، مع رئيس البرلمان نبيه بري، على حساب "التيار".

يعتبر المحسوبون على هذا الفريق أنّ طريقة تعاطي "حزب الله" مع مسألة التحقيق بانفجار مرفأ بيروت تشكّل "النموذج الفاقع" لذلك، حيث لم يكد المحقّق العدلي يوجّه اتهامات صريحة بـ"الإهمال" لبعض السياسيّين، ليس بينهم منتمٍ واحد إلى "حزب الله"، حتى شنّ الأخير "حربًا شعواء" عليه، متهمًا إياه بـ"التسييس" و"التآمر" وخلاف ذلك.

وإذا كان الانتقاد مشروعًا، والتشكيك حقًا بديهيًا، في قاموس "التيار"، إلا أنّ مواجهته تكون بالطرق القانونية، وبالحدّ الأدنى بانتظار القرار الظنّي ليتمّ الحكم عليه، ومراجعة بالسبل المُتاحة، وهنا كان "الافتراق" عن "الحزب"، الذي اختار استخدام لغة "القوة"، فعطّل جلسات مجلس الوزراء في محاولة "لفرض رأيه بالقوة"، وفق ما يقرأ "العونيّون".

وهنا، يتعاظم "الامتعاض العوني" من أداء "الحزب"، فهو يدرك تمامًا كيف أنّ رئيس الجمهورية كان يراهن على هذه الحكومة بالتحديد لتعويض ما فات من "عهده"، الذي كان يسعى لإنهائه ببعض الإنجازات، لكنّ المفاجأة أنّ "حليفه" كان له بالمرصاد، فشلّ الحكومة من أساسها، حتى إنّ شعار "ما خلّونا" أصبح في نظر بعضهم، "الحزب ما خلّانا".

ولتكتمل فصول "المسرحية"، جاءت أحداث الطيونة الشهيرة لتشكّل "مفترق طريق" بالنسبة إلى "التيار"، الذي حاول أن يوجد "توازنًا" في موقفه، بما "ينسجم" مع بيئته الشعبية الحاضنة، فإذا به "يُفاجَأ" بتضخيم غير مبرَّر من جانب "حزب الله"، قدّم من حيث يدري أو لا يدري، "هدايا مجانيّة" بالجملة لرئيس حزب "القوّات" سمير جعجع، وهو ما اتفق عليه الجميع.

في المقابل، تُقرَأ المسائل لدى جمهور "حزب الله" من زاوية أخرى، مختلفة بالكامل، توحي بأنّ "التيار الوطني الحر" هو الذي اختار "الابتعاد"، لأسباب واعتبارات انتخابية بالدرجة الأولى، وهو لم يقدّر ولم يتفهّم الحيثيّات والهواجس التي ينطلق منها "الحزب" في كلّ مواقفه، في ظلّ "الحصار الكونيّ" الذي يتعرّض له، من الأقربين والأبعدين على حدّ سواء.

يشير العارفون بأدبيّات الحزب إلى أنّ "التيار" تبنّى في بعض الأحيان، موقف "خصومه" إزاءه، بل "زايد" عليهم، خصوصًا في ملفّ التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، رغم أنّ رئيس "التيار" الوزير السابق جبران باسيل نفسه تحدّث أكثر من مرّة بعين "الناقِد" لأداء المحقّق، شاكيًا من "استنسابية" يمارسها، و"ظلم" يلحقه ببعض الأشخاص والموقوفين.

رغم ذلك، يقول العارفون إنّ "الحزب" حرص على عدم "التصعيد" مع "التيار"، وترك التباينات لتُعالَج داخل الغرف المغلقة، وهو ما كان يتجلّى في خطابات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله، الذي كان "يتعمّد" عدم الردّ على مواقف عون وباسيل، وعدم الإشارة إليها بالمطلق، حرصًا على علاقة "تكاملية" يصرّ على استمرارها.

ويصل امتعاض "الحزب" إلى أوجه بالنظر إلى طريقة تعامل "التيار" مع التسويات السياسية، فهو لا يكتفي بتحدّيه، عبر الدعوة إلى اجتماع الحكومة "بمن حضر"، ولكنّه يقف "حاجزًا" أمام التسوية، من خلاله رفضه، حتى إشعار آخر، التصويت لصالح "فصل التحقيق" بما يقيّد "صلاحيات" المحقق العدلي، فيخرج الطرفان رابحَين بشكل أو بآخر.

وبين امتعاض هذا وذاك، ثمة من يرى في الأمر "مناورة" ليس إلا، ويضع الاشتباك الكلامي بين الجانبين في خانة "توزيع الأدوار"، خصوصًا أنّ البلاد على أعتاب انتخابات، قد يكون "الافتراق" فيها أكثر "منفعة" من "التحالف"، بالنظر إلى طبيعة القانون الانتخابي، وطريقة توزيع الدوائر فيه، ما يجعل فوائد التحالف محصورة بعدد محدود من الدوائر.

وبمعزَل عن "الحكم على النوايا"، فإنّ الأكيد أنّ ما يمرّ به تفاهم مار مخايل لا يشبه ما مرّ به في السابق. صحيح أنّ هناك من يقول إنّها "غيمة صيف وستمرّ"، كما حصل سابقًا، لأنّ العلاقة "مصلحية" بالأساس، وتخدم الجانبين، لكنّ الأكيد أنّ "النفور" الذي ضرب الجماهير، قد لا يكون من السهل إعادته إلى سابق عهده، كما لو أنّ شيئًا لم يكن!.