أَأَبَديٌّ هو ​لبنان​؟

وحدها روما التي إنتهت مِن إمبراطوريّة حَكَمَت العالم إلى عاصمةٍ على تِلالٍ سَبع، إستَرَقَت لَقَب: "المدينة الخالدة"، بعدما ورِثت المسيحيَّة، وخِشية أن تَصغُر بَعدُ أكثر مع الدهر الآتي.

غيرها، ما إستَشرَفَت مدينةٌ لها صِفَة مماثِلة.

وإنقضى التاريخُ دهوراً... وبعضهم حَسَمَ أنّه إنتهى الى غيرِ رَجعة وباتَ عِبَراً طَوَت حاضِراتٍ وحَضَارات.

ولبنان؟ هوَ لَيس بمَدينةٍ، وما إستلحَقَ ذاتَه بِلَقب تخوّفاً مِمَّا هو آتٍ. لا بل، يَجزِم بعضُهُم أنَّه ما كانَ يوماً إلّا بِضعةَ أوهَامٍ، مَرميَّاً أمَام مَواكبَ عُبورِ الدهور وعلى قارِعة الإستحقاقات.

لا! القائل بذلك جاهلٌ بلبنان: فَمَن أهرَق أعمَارَه ممزَّقاً مِن مُتخاصِمين، وحيداً بين خُبثاء، مُعانِياً بين مُتناقِضَات، وما نَطَق إلّا بإسم الحقِّ بالحياة، وشَهادة لَهَا، هو مَن للِصِفات-الألقاب أن تُتَوِجَّه.

ألا أنظر: إمبراطوريَّات القوّة زَالت وتزول، وها عابر يتلذَّذُ بإلتقَاطِ الصور وهو يدوسُ آثارها التي ما إندثرت بعد. وإيديولوجيّات تفنُّنِ أشكال الإستعباد إنتَهت إلى سُطورٍ في مُهمَلاتٍ لا يستَفتِحُها إلّا مَن إبتغى شهوة الشهادة أنَّها ما عَادت تُخيِفه رَهبَتها.

هو تاريخُ دهرِها الذي من طُغيانٍ وسطوة، دهرُها الخالي الذي آلَ إلى إنتهاءٍ، لا تاريخُ التجليَّات... ولبنان-الوطن صانِعُهُ ورائِدُه في آن.

تجليّات الأبد

أنا لا أنظُر الى وطنٍ، بَلاؤه في حكّامه ومؤيديهم: عُميانٌ يقودون عُمياناً، بإجرَام قَلَّ نَظِيرُهُ.

أنا إبتغَاء نَظرَتي:

ذلك الوطنُ الذي ما أضَاع هويِّته بين شَرقٍ مُتبرِّمٍ منه تارة ومُتلذِّذٍ بتعذيبه طوراً، وغَربٍ مُتَغَرِّبٍ بِه تارةً ومُثقِلٍ إيَّاه بعُيوبه طَوراً.

ذلك الوطنُ الذي سَلَّم العالمَ تناقُضَ الوِحدةِ الواحدَةِ القائِمَةِ على... التنوِّع أيّ الجَمع بين الفَرادات

والإختلافات.

ذلك الوطنُ الذي يشُدُّ إلى فوق، فيما هو مُتجَذّر في أرض، ويلتَزِم بالأواتي فيما هو مَشدودٌ الى المُنقَضِيات.

ذلك الوطنُ الذي يَبغي ثورةً من حريَّة في العالم، وهو مَنسوجٌ نَبضاً من تَضَارِب قوميَّات إتنيَّة وِينيَّة وثَقافيَّة وحَضاريَّة.

ذلك الوطنُ الذي لا يقنع الّا حين يبرح الضمير ويهنأ بالوجدان، وهو الطالع من كافة اشكال القناعة بالأقدار، والراضخ لها كموروث لا مفرّ منه.

ذلك الوطنُ الذي يَئِنُّ في مَخاضِ الآلام، حتَّى الأعماق، وتَبقى أمَانَته في بُلوغِ ذُروةِ العطاءِ ولو ممَّزقاً، على إسم الإنسان.

ذلك الوطنُ الذي لا يَرتضي القَضَاء بالموتِ، ويَبقى طالعاً مِنه كَمَا الحياةُ تُبتَدَعُ بالهُبوبِ من العَدَم.

هي تلك قِمَمَه السَبعَة، وقد بُنِيَ عليها، فلا هي مجموعةُ تلالٍ تَطويها أعَالٍ ولا طُموحاتٌ تَغفَل عنها مَروِيات الإستسلام للأوهان... بل قممٌ مِن أمانات ثلاثة.

أمانات للأبد

أولى هذه الأمانات، تلك المتأتيَّة من صُلبِهِ: الأمانة للكلمة، وقد إبتَدَعَها حروفاً، وطُرُقَ تعبيرٍ وهدَفَ تواصلٍ ورٍسَالة سلامٍ... قَبل أن يَتجسَّد مَن سَيكون: الكلمة الحيَّة-إبن الله الوحيد، الذي به كُوِّنَ كلُّ شيء.

وثانيها، تلك المتأتيَّة من كينونَتِهِ: الأمانة للفِعل، وقد إبتكَرَهُ لا من تردُّد بل من تَرسَّل، بين حَديّن: تفكيك عِقَد الوجود والقضاء على جُدران التبَاعد.

وثالثَتَهما، تبقى تلكَ المتأتيَّة من جوهّرِهِ: الأمانة للأِعتِصَام بِكونيَّة الكينونة البشريَّة في الحريَّة لا في التغرُّب نحو طقوس النواميسِ ولا في الإِغترَاب نحو تَحاَيُل العُنصريَّات.

أَأَبديٌّ هو لبنان؟

أَجِب: بَل بِدونِهِ، لا أَبَدَ!