لم تحط بعد بشكل رسمي، طائرة الانتخابات النيابية التي ينتظرها العالم قبل لبنان، ولكن كل تحضيراتها باتت جاهزة، وانطلقت عجلتها بنشاط منذ نحو شهر تقريباً. ولكن، كعادتها، حملت التحضيرات وحمى الانتخابات معها اموراً لم تكن في الحسبان، خصوصاً لناحية التحالفات التي تشهد في كل مرة تقلّبات منها جذرية ومنها طفيفة.

هذه المرة، دخل اخطبوط الانتخابات على الخط، وبدأ العبث بالتحالفات بأذرعه العديدة، فاحتارت الشريحة الكبرى من الناخبين (التابعين للاحزاب والتيارات السياسية) في تحديد موقفها، فمن ناحية ترى قياداتها ومرجعياتها السياسية تتحدث شيئاً في العلن، فيما تبلغهم في السر ان ما قيل هو مجرد كلام في الهواء... خريطة التحالفات باتت تشبه حالياً الوضع الحكومي، كلّ يغني على ليلاه، وطرف من هنا يحاكي آخر من هناك لمعرفة ما يمكن ان يقدمه له، وطافت مجدداً الى السطح شخصيات كانت حتى الامس غارقة في ثقل همومها وابتعاد الفاعلين عنها لمدة اربع سنوات كاملة. والحق يقال ان الثنائي الشيعي هو وحده المرتاح الى ما ستسفر عنه الانتخابات، ولكنه قلق جداً حيال المقاعد الخارجة عن الطائفة، والمرتبطة بشكل وثيق بخريطة التحالفات التي ينسجها كل من عضوي هذا التحالف اي حركة "امل" وحزب الله. وعلى خط آخر، تبرز معضلات كبيرة لدى التيارات والاحزاب السنّية والمسيحية والدرزية، فيما يزيد تشرذمها، ما يقلل حتماً نيل نسب كبيرة من المقاعد للاحزاب الكبيرة فيها.

ويعاني حزب الله من تردّي العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، وهو امر لا يصب في مصلحة ايّ منهما، لان للحزب حساباته التوسعية، وللتيار البرتقالي طموحه في ألا يقل عدد تحالفاته كتكتّل بشكل دراماتيكي عما هي عليه اليوم. اما حركة "امل" فهي تعاني من نقص كبير في التحالفات السنيّة بفعل افول نجم النائب سعد الحريري الذي تسيّد الساحة السنية لفترة طويلة من الزمن، وهو اليوم غائب وغير قادر على فرض نفسه، فيترك الساحة للترقب والتقديرات ولـ"ابر المورفين" التي يعطيها نواب تيار المستقبل للحزبيين والمؤيدين والكفيلة حتى الآن في تهدئة الخواطر وعدم السماح لتشرذم هذه القاعدة التي "تتقاتل" عليها شخصيات عدة من هذه الطائفة.

الثابت الوحيد حتى الآن، هو ان اعضاء الحكومة الحالية غير متحمّسين لخوض غمار الانتخابات، وبالتالي ستتبجح الحكومة انها غير معنية فعلياً الا بتأمين اجراء هذا الاستحقاق، فيما الواقع يشير الى ان الترفع عن هذا الامر لا يعود الا لان التيارات والاحزاب لم تختر هذه الشخصيات الا لتكون في هذه الحكومة التي من المتوقع الا يطول عمرها عن عمر هذا المجلس النيابي، ما لم تحصل تطورات مفاجئة وطارئة وبموافقة دولية طبعاً، تؤدي الى تمديد دور هذا المجلس او تأجيل الانتخابات لفترة من الوقت.

في غضون ذلك، دخل لاعبون كثيرون على الخط، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، بهاء الحريري والمنتشرون في دول العالم، ويعمل اللاعبون المحلّيون كل ما في وسعهم لاثبات انفسهم، عبر جس نبض الحريري الآخر من جهة لمعرفة مدى قوته والدعم الدولي المتوافر له، وعبر محاولة استقطاب النسبة الاكبر من الناخبين خارج لبنان من جهة اخرى، منعاً لاي مفاجآت قد تحصل (ولو انه احتمال غير متوقع ولكنه يبقى قائماً).

انها دوامة الانتخابات، وقد بدأت تنشط، فحذار من تبدلاتها التي لا تنتهي الا قبيل اجراء هذا الاستحقاق، فيما الاهتمام الاكبر يجب ان يبقى بالامور الاقتصادية والماليّة والحياتيّة التي لا يهتم بها احد، وباتت ثانوية نسبة الى لعبة الكراسي الانتخابية التي لا يتجرأ احد على القول انها اولويات مقلوبة، فلا احد في الداخل او الخارج سيصغي الى هذه الاصوات، ان صدرت...