إعتمد البطريرك المارونيّ يوسف التيّان المثال كَي يكرز به في ما يتعلّق بالشّفافيّة وحفظ الأمانة وحُسن إدارة المال العامّ العائد إِلى الكنيسة، فهو قد كان شفّافًا في كُلّ ما يتعلّق بأَرزاق الطّائفة وأَموالها، وقد أَصدر ورقة حسابٍ، بمدخُول "دير مار شلّيطا" ومصروفه، مُنذ تسلُّمه الدّير في شباط 1788، حتّى انتخابه بطريركًا في آخر نيسان 1796، إِضافةً إِلى قائمةٍ بالأَوقاف ومعلوماتٍ عن الأَموال والحسابات. وفي هذا الإطار كتب مارك عبّود في الأُطروحة الّتي نال بواسطتها شهادة الدّكتوراه: "... خلال الفترة البطريركيّة للتيّان، عانى قسمٌ من أَبرشيّات الطّائفة المارونيّة من الفقر، إِضافةً إِلى تفشّي مرض الطّاعون. وقد حاول التيّان تحديث النّظام الماليّ المتّبع، فحدّدت البطريركيّة ما يلزم دفعه من معاليم ورسوم تحاليل من الرّعايا، للمُحافظة على استمرار الحركة الاقتصاديّة داخل الطّائفة" (ثانيًا: الدّور الاقتصاديّ للبطريرك التيّان - ص 170 – 171).

تحرير من آل صفير إلى الرّهبانيّة اللّبنانيّة

كما وتعاون الموارنة أَيضًا في مُواجهة تلك الضّائقة الاقتصاديّة... وأَظهروا حرصهُم على أَمرَين اثنَين: أَن يُعطى ما للكنيسة إِلى الكنيسة، وما لِعامّة المُؤمنين إِلى عموم المُؤمنين... وأَن يُظهر الجميع تعاضدًا للخُروج مِن الأَزمة بأَقلّ الأَضرار المُمكنة... وفي هذا الإِطار يقول مارك عبّود في أُطروحته: "... أَيّد بعض أَفرادٍ من آل صفير، قرار المطارنة بمُلاشاة دير مار جرجس الرّوميّة. وأَصدروا تحريرًا لآباء الرّهبانيّة اللُّبنانيّة في كانون الثّاني 1804، أَشاروا فيه إِلى أَنّ لخلاص ذمّتهم، قد سلّموا الدّير إِلى الأَب عمّانوئيل الجميّل، الرّئيس العامّ للرّهبانيّة اللُّبنانيّة تسليمًا شرعيًّا وبإِرادتهم، وبتمام رضاهم، ومِن غير إِكراهٍ، على أَن يتصرّفوا بالدّير وموجوداته من أَثاثٍ وأَملاكٍ ومواشٍ، كما يشاؤون، ووفقًا لقوانينهم وعاداتهم. وهم يطلبون فقط الشّراكة الرّوحيّة، أَلّا يكون ثمّة مانعٌ من انضمام رجال عائلتهم ونسائها، إِلى الرّهبانيّة. وإِذا ضاق بأَحدٍ مِن أَبناء العائلة الحال، يعتاش من الدّير ويُقام قدّاسٌ أُسبوعيٌّ على نيّة موتاهم، كُلّ نهار جمعة (الفصل الرّابع–ص 210).

وقد انسحبت هذه المُعادلة على عشرات الأَديرة الّتي سادتها العدالة بعد مُنازعاتٍ ماديّةٍ...

وقد أَظهر الموارنة في ذلك التصرُّف، أَنّهم ينتهجون العدالة ويعيشون المحبّة حتّى في أَحلك الظّروف الّتي عاشوا فيها عبر تاريخهم المديد... وأَمّا تلك القيم المُشار إِليها، فقد باتت اليوم عُملةً نادرةً... لذا فقد ضاقت سُبل الخلاص بهم...

وبعد... لو أَصدر المَسؤولون عندنا، وعلى اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم... "ورقة حسابٍ" ولو بدائيّةً، في عصر الإِنترنت والمعلوماتيّة... لما كانت طارت مبالع مرقومةٍ مِن أَموال الدّولة... ولما كانت مرّت سنواتٌ ماليّةٌ عِجافٌ، كانت فيها مُوازنات الدّولة في غيابٍ تامٍّ... وقد فرض التسيُّب النّقديّ نفسه سيّدًا في كُلّ الإدارات الرّسميّة...

إِنّ المُشكلة الأَساسيّة في لُبنان اليوم، إِنّما هي مُشكلة أَخلاقٍ وانتفاءٍ للقِيَم، إِضافةً إِلى كَوْن "المال السّايب يُعلّم النّاس الحَرام"...

لقد أَوجد الموارنة حُلولًا في القرن الثّامن عشر، للفَقر والطّاعون... واللُبنانيُّون اليَوْم قادرون على الإِتيان بحُلولٍ للانهيار الاقتصاديّ وتفشّي "أُوميكرون"... إِذا سمح المسؤولون بذلك!.