لفت رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​، في "رسالة مصارحة إلى اللّبنانيّين"، إلى "أنّني سمعت الكثير من الأسئلة والملامة عن سبب عدم مخاطبتكم عمّا يجري من تطوّرات، ولكن أنا تحدّثت بالفعل إنّما من دون الرغبة في أن أزيد المشكلة تعقيدًا"، مؤكّدًا أنّ "اليوم، بات من الضروري أن يكون الكلام أوضح، لأنّ المخاطر تكبر وتهدّد وحدة الوطن، وما نسمعه ونراه من تحضيرات تجري إقليميًّا، تُظهر هذه المخاطر بشكل أوضح".

وأوضح "أنّني كنت قد فضّلت على مدى سنوات ولايتي، أن أعالج الأزمات بالعمل الصّامت. نجحت في بعض الأحيان، ولم أوفّق في أحيان أخرى. حاولت أن أمنع الانهيار، ودعوت إلى أكثر من لقاء ومؤتمر، وطرحت حلولًا، ولكن أهل المنظومة رفضوا أن يتخلّوا عن أيّ مكسب، ولم يحسبوا أيّ حساب للنّاس". وذكّر بـ"أنّني عندما وقع الانهيار، دعوت إلى الحوار مع الّذين نزلوا إلى الشّارع، ولكنّهم رفضوا أيضًا، واختبأوا خلف شعار "كلّن يعني كلّن". واليوم، أجدّد دعوتي للحوار، إلى كلّ ​لبنان​يّة ولبناني يرغب في خلاص الوطن".

وركّز الرّئيس عون، على أنّ "تمسّكي بوحدة لبنان وسيادته واستقلاله وحريّته، دفعني إلى أن أواجه عام 1990، مشاريع الهيمنة على الدّولة. ولكن، مصالح الخارج والدّاخل تواطأت وكانت أقوى. وعلى مدى 15 عامًا، حُكِم البلد من منظومة سياسيّة وماليّة من دون سيادة وشراكة، وبالفساد"، مبيّنًا أنّ "عند عودتي إلى لبنان عام 2005، تعاملت بإيجابيّة، وطرحت المعالجة انطلاقًا من الدّستور الّذي أُقرّ بالطائف".

وشدّد على أنّ "مع حصول الانهيار، لم أستسلم، ولن أستسلم، ولا أزال أعتبر، على الرّغم من كلّ شيء، أنّ الحل ممكن من ضمن وثيقة الوفاق الوطني"، مفسّرًا أنّ "الحلّ يقتضي أوّلًا إجراء المحاسبة، أي تحديد المسؤوليّة عن الانهيار، وحماية أموال النّاس وإعادتها إلى المودعين، كما يقتضي الانتقال إلى دولة مدنيّة، ونظام جديد ركيزته الأساسيّة اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة. ويجب أن تشكّل ​الانتخابات النيابية​ المقبلة استفتاءً على هذا الأساس".

وأشار إلى أنّ "صحيحًا أنّ الدّفاع عن الوطن يتطلّب تعاونًا بين الجيش والشّعب والمقاومة، ولكن المسؤوليّة الأساسيّة هي للدولة. وحدها الدّولة تضع ​الاستراتيجية الدفاعية​ وتسهر على تنفيذها. إنّما قبل الوصول إلى هذه النقطة، يجب أن يتوقّف التّعطيل المتعمّد والممنهج وغير المبرّر، الّذي يؤدّي إلى تفكيك المؤسّسات وانحلال الدّولة". ولفت إلى أنّكم "تسألونني أين التّعطيل؟ أنا بدوري أسأل: أين لا يوجد تعطيل؟".

ورأى الرّئيس عون أنّه "عندما تسقط أهمّ محكمة دستوريّة في العجز عن اتخاذ قرار حول نصّ دستوري واضح، على غرار ما حصل بالنّسبة إلى المادّة 57 من الدّستور، هذا يعني أنّ التّعطيل ضرب ​المجلس الدستوري​، وصار معروفًا- بكلّ أسف- من وراء التّعطيل، والمسؤولون عن هذا الأمر يعرفون أنفسهم وباتت النّاس تعرفهم أيضًا"، مركّزًا على أنّ "إسقاط خطّة التّعافي المالي الّتي وضعتها الحكومة السابقة، أدّى إلى تأخير المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​، وباتت كلفة الحل أكبر، وخسارة النّاس تزداد. وعدم وجود خطّة وتحديد واضح للخسائر مع توزيع عادل لها، إنّما يؤدّي إلى عدم توافر دعم دولي، وهكذا يضرب التّعطيل مصالح النّاس".

كما أكّد أنّ "تعطيل الحكومة هو المسؤول عن شلل الإدارة، في وقت ينتظر الموظّفون حقوقهم، والمستشفيات مستحقّاتها، والمرضى العلاج. من المسؤول عن عدم وضع موازنة العام الفائت، وما هو مصيرها هذه السّنة؟"، متسائلًا: "مَن عرقل ​التدقيق الجنائي​؟ وهل الهدف من المماطلة إخفاء أو تغطية أصحاب المليارات المسروقة والمهدورة؟ من المسؤول عن عرقلة الحوار مع ​سوريا​ لإعادة النازحين السوريين؟". وأعلن "أنّني أرغب بأفضل العلاقات مع ​الدول العربية​، وتحديدًا مع دول الخليج، وأسأل: ما هو المبرّر لتوتير العلاقات مع هذه الدول والتدخّل في شؤون لا تعنينا؟".

وجزم أنّ "العرقلة في مجلس النواب تساهم في تفكيك الدّولة، وكان من المفترض أن يصدر قانون "​الكابيتال كونترول​" منذ سنتين وشهرين، ويساهم في إنقاذ الوضع المالي"، سائلًا: "أين قانون استعادة الأموال المحوّلة إلى الخارج؟ أين قانون كشف الفاسدين وحسابات وأملاك القائمين على الخدمة العامّة؟ أين قانون الشيخوخة؟". وتساءل: "لماذا التّأخير في إنجاز القوانين الإصلاحيّة؟ هل يمكن لأحد أن يشرح لي سبب عدم تجاوب مجلس النواب مع دعواتي المتتالية لإقرار قوانين تصبّ في خانة خدمة النّاس؟ أين هي هذه القوانين؟ هل مكانها فقط في الأدراج واللّجان؟".

وشدّد على أنّ "التّفكيك والانحلال طاولا القضاء ونحراه. لقد كرّست التّشكيلات الطائفيّة في المراكز وخالفت القوانين، ولم تعتمد معايير موحّدة للكفاءة والأقدميّة والأحقيّة والدّرجات. كيف يمكن أن أوقّع تشكيلات فضيحة؟"، مشيرًا إلى أنّ "إضافةً إلى ذلك، هناك ملفّات متراكمة للمواطنين تنتظر البتّ بها. إنّما الأخطر من ذلك، أنّ القضاء عطّل نفسه، أو تمّ تعطيله عن المحاسبة والمساءلة وفرض العقوبة".

وتساءل رئيس الجمهوريّة: "لماذا التّأخير بالمصادقة على قطوعات حسابات الدّولة منذ العام 1997؟ هل من سأل وحاسب؟"، مبيّنًا أنّ "شلّ المؤسّسات قد أصبح نهجًا قائمًا بذاته، ونتيجته خراب الدّولة. ويبقى السّؤال: هل لا يزال اللّبنانيّون متّفقون على وحدة الدّولة؟ أم سقط النّظام وأصبح كلّ واحد يبحث عن مصلحته؟ في الوقت الّذي تقترب فيه الحلول في المنطقة، نرى الحلّ يبتعد في لبنان... وهذا أمر غير مقبول". وجزم أنّ "من الضّروري أن تجتمع الحكومة اليوم قبل الغد، لمعالجة المشاكل على طاولة مجلس الوزراء. فبأي شرع أو منطق أو دستور، يتمّ تعطيل مجلس الوزراء، ويُطلب منه اتخاذ قرار ليس من صلاحيّاته، ويتمّ تجميد عمله بسبب مسألة لا تشكّل خلافًا ميثاقيًّا؟".

وذكر أنّ "على الحكومة أن تعمل. وعلى مجلس النوّاب أن يراقب عملها ويحاسبها عند الضّرورة، وليس المساهمة في تعطيلها، فيما يعمل بعض المسؤولين على استمرار الشّلل فيها"، مؤكّدًا أنّ "تفكيك الدّولة وشلّها وانحلالها هو جريمة. بدأوا في تعطيل المشاريع من كهرباء ونفط ومياه واتصالات وغيرها، وانتهينا بتعطيل مؤسّسات الدّولة والدّستور. أنا مؤتمن على الدّستور والقوانين، ومن واجبي أن أصارح الشعب اللبناني، وأقول له: يجب أن نبقى في وطن واحد وفي دولة واحدة، إنّما يجب أن نتعلّم من التّجربة، وأن نعدّل نظام الحكم كي تصبح الدّولة قابلة للحياة". وأوضح أنّ "اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة هي العنوان، والمساءلة والمحاسبة والتّدقيق هي شرط لكي نغلق حسابات الماضي، وأن نعيد للّبنانيّين حقوقهم وأموالهم. على لبنان أن يبقى ملتقى حوار الثّقافات، وليس أرض الصّراعات".

وتوجّه إلى اللّبنانيّين، قائلًا: "أنتم تنتظرون وتتحمّلون الوجع والجوع والخوف، ودول العالم تنتظر أن نباشر الحوار مع صندوق النقد الدولي، كي يقدم لنا المساعدة. أنا لا أريد أن أخاصم أحدًا- لا أشخاصًا ولا جهات- ولا أريد تفكيك الوحدة في أيّ طائفة. إنّما يجب أن نكون صريحين: إنّ المراوحة قاتلة، ولن أقبل أن أكون شاهدًا على سقوط الدّولة واختناق النّاس، وسأبقى أعمل حتّى آخر يوم من ولايتي ومن حياتي لمنع ذلك". وأفاد بأنّ "الحلّ يكمن بالحوار وبالطّرق السلميّة، وبدايته تكون في اجتماع وعمل مجلس الوزراء وكلّ مؤسّسات الدّولة".

وأعلن الرّئيس عون "أنّني، من موقعي كمؤتمن على الدّستور، أدعو إلى حوار وطني عاجل من أجل التّفاهم على ثلاث مسائل، والعمل على إقرارها لاحقًا ضمن المؤسّسات، وهي: اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة الموسّعة، الاستراتيجيّة الدّفاعيّة لحماية لبنان، وخطّة التّعافي المالي والاقتصادي، بما فيها الإصلاحات اللّازمة والتّوزيع العادل للخسائر".

وخاطب اللّبنانيّين، بالقول: "معركتي هي معركة بناء الدّولة منذ اليوم الأوّل الّذي مارست فيه الشّأن العام والخدمة العامّة. هذا ما كنت أحلم به عندما كنت تلميذًا في الكلية الحربية، وقد رافقني طوال عمري"، مركّزًا على أنّ "لا وجود للبنان من دون دولة، واستمراريّة بناء هذه الدّولة تستند إلى أُسس هي: الدّستور والقوانين والمؤسّسات. هذا ما يؤدّي إلى انتظام في الدّولة، وهو مطلب كلّ لبناني أكان مقيمًا أو في الانتشار، المطلب واحد: قيام الدّولة".

كما بيّن أنّ "الشّعب اللّبناني قادر على بناء الدّولة والاقتصاد، وإمكاناتنا كبيرة، وثروتنا الأكبر هي الإنسان. ولكن الدولة تُبنى باحترام القوانين، وليس بتجاوز السّلطة، ولا بهيمنة سلطة على سلطة أخرى. الدّولة تعني القانون والاستقرار في الوقت نفسه، ولا يجوز لأحد أن يخيّر اللّبنانيّين بين أحد الأمرين". ولفت إلى أنّ "من السّهل جدًّا انتقاد رئيس الجمهوريّة، وإطلاق النّار عليه كلّ يوم واستهداف موقع الرئاسة والانتقاص من صلاحيّاتها في مجلس النواب، كما حصل أخيرًا بالنّسبة إلى المادّة 57 من الدّستور، وصدور أصوات تحمّله المسؤوليّة بشكل يومي، علمًا أنّ صلاحيّاته محدودة جدًّا، إلى درجة أنّه غير قادر على إلزام مجلس الوزراء على الانعقاد".

وأشار عون إلى أنّه "لا بدّ أن أسألكم وأهل الإعلام بكلّ أمانة، لماذا لا تُقال الحقيقة؟ لماذا يزوّرون الحقائق؟ من حقّ النّاس أن تسمع الحقيقة وليس الكذب والشّائعات"، مفيدًا بـ"أنّني اليوم، مع نهاية هذه السّنة، أحببت أن تكون رسالتي إليكم رسالة مصارحة، وآمل ألّا اضطرّ إلى أن أقول أكثر".