ركز ​البابا فرنسيس​ في رسائله الخاصة بيوم السلام لسنة 2022، على مبدأ الحوار، من جهة، ومفهوم الأخوة، من جهة أخرى. لذلك، اختار لرسالته في اليوم العالمي الخامس والخمسين للسلام، العنوان التالي: "الحوار بين الأجيال، والتربية والعمل: أدوات من أجل بناء سلام دائم".

وقد إستهل رسالته بكلمات للنبي أشعيا: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر، المخبر بالسلام"! ثم ناشد قداسته الجميع للسير معًا على دروب الحوار والتربية والعمل بشجاعة وإبداع، ومن دون أي ضوضاء، بل بتواضع ومثابرة.

وأشار إلى أن مسيرة السلام التي أطلق عليها القديس بولس السادس الإسم الجديد للتنمية المتكاملة، لا تزال بعيدة المنال لكل العائلة البشرية. فعلى رغم الجهود المتعددة الهادفة إلى حوار بناء بين الأمم، نرى شبح الحروب يتعاظم، ناهيك بالأمراض والأوبئة، أضف إليها آثار تغير المناخ والتدهور البيئي، وسيطرة الفردية على المشاركة التضامنية. هكذا تصبح مأساة الجوع والعطش أكثر خطورة.

وشرح البابا فرنسيس قائلا: "إن السلام في كل عصر، هو عطية من العلى وثمرة التزام مشترك. هناك في الواقع، "هندسة" للسلام، حيث تتدخل مؤسسات المجتمع المختلفة، وهناك "حرفية" للسلام تشمل كل فرد منا بطريقة شخصية. يمكن للجميع أن يعملوا معًا من أجل بناء عالم أكثر سلامًا: بدءًا من قلوبهم وعلاقاتهم في العائلة والمجتمع والبيئة، وصولاً إلى العلاقات بين الشعوب والدول".

واقترح قداسته 3 طرق لبناء سلام دائم: أولا الحوار بين الأجيال أساسا لتحقيق المشاريع المشتركة. ثانيا، التربية كعامل حرية ومسؤولية وتنمية. وأخيرا، العمل من أجل التحقيق الكامل للكرامة البشرية. وقد وصفها بأنها "3 عناصر أساسية لإعطاء الحياة لميثاق اجتماعي، الذي من دونه يظهر كل مشروع سلام متناقضا وغير منسجم".

ورأى أنه على الحوار أن يكون صادقا، ويقوم على الثقة بين المسنين الذين وصفهم البابا بحراس الذاكرة، وبين الشباب الذين يسيرون قدما بالتاريخ . إن الحوار يعني الإصغاء بعضنا إلى بعض والمناقشة والاتفاق والسير معا. "فمن ناحية، يحتاج الشباب إلى الخبرة الوجودية والحكمية والروحية للمسنين؛ ومن ناحية أخرى، يحتاج المسنون إلى دعم الشباب ومحبتهم وإبداعهم وديناميكيتهم". هكذا يتعاونون، ويتبادلون المعارف والخبرات والمهارات من أجل الخير العام".

وأثار قداسته موضوع خفض ميزانية التربية والتعليم على الصعيد العالمي، بدلا من الإستثمار فيهما، نظرا إلى أنهما القوتان الأساسيتان للتنمية البشرية المتكاملة، وللدفاع عن السلام وتعزيزه. وللأسف زادت، في المقابل، النفقات العسكرية، بل تخطت المستوى المسجل في نهاية "الحرب الباردة".

وأضاف البابا فرنسيس: "آمل أن يترافق الاستثمار في التربية بالتزام أكبر من أجل تعزيز ثقافة العناية. لأنها إزاء انقسامات المجتمع وجمود المؤسسات، يمكنها أن تصبح اللغة المشتركة التي تكسر الحواجز وتبني الجسور. ينمو البلد عندما تتحاور ثرواته الثقافية المختلفة بشكل بناء: الثقافة الشعبية، والثقافة الجامعية، وثقافة الشباب، والثقافة الفنية، والثقافة التكنولوجية، والثقافة الاقتصادية، وثقافة العائلة، وثقافة الإعلام. لذلك من الضروري أن نصوغ نموذجا ثقافيا جديدا، عبر ميثاق تربوي عالمي للأجيال الشابة ومعها، يلزم العائلات والجماعات والمدارس والجامعات والمؤسسات والأديان والحكام والبشرية جمعاء في تنشئة أشخاص ناضجين. إن الاستثمار في تربية الأجيال الشابة وتعليمهاهو الدرب الرئيسي".

أوضح قداسته أن لا غنى عن العمل في بناء السلام. فهو تعبير عن الذات وعن العطايا الشخصية، ولكنه أيضا التزام وجهد، وتعاون مع الآخرين. وقد تفاقم الوضع في عالم العمل بسبب وباء الكورونا، ما تسبب اليوم في زيادة البطالة بشكل مأسوي.

وتمنى البابا على الشركات أن تحترم حقوق الإنسان الأساسية للعمال والعاملات، وعلى أهل السياسة أن يعززوا التوازن العادل بين الحرية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مؤكداً أنه يمكن لجميع الذين يعملون في هذا المجال، بدءًا من العمال ورجال الأعمال الكاثوليك، أن يجدوا إرشادات أكيدة في العقيدة الاجتماعية للكنيسة Doctrine Sociale De L'Eglise.

هذه الرسالة قدمت خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس اللجنة الأسقفية "عدالة وسلام" المطران شكرالله نبيل الحاج في المركز الكاثوليكي للإعلام.